Adab Dunya Wa Din

al-Mawardi d. 450 AH
83

Adab Dunya Wa Din

أدب الدنيا والدين

Publisher

دار مكتبة الحياة

Edition Number

الأولى

Publication Year

1407 AH

Publisher Location

بيروت

Genres

Sufism
وَاجْتِنَابِ الْمَعَاصِي، مِنْ أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ: فَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَجِيبُ إلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ، وَيَكُفُّ عَنْ ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي. وَهَذَا أَكْمَلُ أَحْوَالِ أَهْلِ الدِّينِ، وَأَفْضَلُ صِفَاتِ الْمُتَّقِينَ. فَهَذَا يَسْتَحِقُّ جَزَاءَ الْعَامِلِينَ، وَثَوَابَ الْمُطِيعِينَ. رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَدَائِنِيُّ. عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الذَّنْبُ لَا يُنْسَى وَالْبِرُّ لَا يَبْلَى، وَالدَّيَّانُ لَا يَمُوتُ، فَكُنْ كَمَا شِئْت، وَكَمَا تَدِينُ تُدَانُ» . وَقَدْ قِيلَ: كُلٌّ يَحْصُدُ مَا يَزْرَعُ، وَيُجْزَى بِمَا يَصْنَعُ. بَلْ قَالُوا: زَرْعُ يَوْمِك حَصَادُ غَدِك. وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْتَنِعُ مِنْ فِعْلِ الطَّاعَاتِ وَيُقْدِمُ عَلَى ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي، وَهِيَ أَخْبَثُ أَحْوَالِ الْمُكَلَّفِينَ. فَهَذَا يَسْتَحِقُّ عَذَابَ اللَّاهِي عَنْ فِعْلِ مَا أَمَرَ بِهِ مِنْ طَاعَتِهِ، وَعَذَابَ الْمُجْتَرِئِ عَلَى مَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ مِنْ مَعَاصِيهِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: عَجِبْت لِمَنْ يَحْتَمِي مِنْ الطَّيِّبَاتِ مَخَافَةَ الدَّاءِ، كَيْفَ لَا يَحْتَمِي مِنْ الْمَعَاصِي مَخَافَةَ النَّارِ. فَأَخَذَ ذَلِكَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ فَقَالَ: جِسْمُك قَدْ أَفْنَيْته بِالْحِمَى ... دَهْرًا مِنْ الْبَارِدِ وَالْحَارِّ وَكَانَ أَوْلَى بِك أَنْ تَحْتَمِي ... مِنْ الْمَعَاصِي حَذَرَ النَّارِ وَقَالَ ابْنُ صَبَاوَةَ: إنَّا نَظَرْنَا فَوَجَدْنَا الصَّبْرَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَهْوَنَ مِنْ الصَّبْرِ عَلَى عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ آخَرُ: اصْبِرُوا عِبَادَ اللَّهِ عَلَى عَمَلٍ لَا غِنَى بِكُمْ عَنْ ثَوَابِهِ، وَاصْبِرُوا عَنْ عَمَلٍ لَا صَبْرَ لَكُمْ عَلَى عِقَابِهِ. وَقِيلَ لِلْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ ﵁: رَضِيَ اللَّهُ عَنْك. فَقَالَ: كَيْفَ يَرْضَى عَنِّي وَلَمْ أُرْضِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَجِيبُ إلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ وَيُقْدِمُ عَلَى ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي. فَهَذَا يَسْتَحِقُّ عَذَابَ الْمُجْتَرِئِ؛ لِأَنَّهُ تَوَرَّطَ بِغَلَبَةِ الشَّهْوَةِ عَلَى الْإِقْدَامِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَإِنْ سَلِمَ مِنْ التَّقْصِيرِ فِي فِعْلِ الطَّاعَةِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «أَقْلِعُوا عَنْ الْمَعَاصِي قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَكُمْ اللَّهُ هَتًّا بَتًّا»: الْهَتُّ الْكَسْرُ وَالْبَتُّ الْقَطْعُ. وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: أَفْضَلُ النَّاسِ مَنْ لَمْ تُفْسِدْ الشَّهْوَةُ دِينَهُ، وَلَمْ تَتْرُكْ الشُّبْهَةُ يَقِينَهُ. وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ: عَجِبْت لِمَنْ يَحْتَمِي مِنْ الْأَطْعِمَةِ لِمَضَرَّاتِهَا، كَيْفَ لَا يَحْتَمِي مِنْ الذُّنُوبِ لِمَعَرَّاتِهَا. وَقَالَ بَعْضُ الصُّلَحَاءِ: أَهْلُ الذُّنُوبِ مَرْضَى

1 / 97