190

Adab al-dunyā waʾl-dīn

أدب الدنيا والدين

Publisher

دار مكتبة الحياة

Edition

الأولى

Publication Year

1407 AH

Publisher Location

بيروت

Genres

Sufism
وَقَالَ أَبُو نُوَاسٍ:
فَامْضِ لَا تَمْنُنْ عَلَيَّ يَدًا ... مَنَّك الْمَعْرُوفَ مِنْ كَدَرِهِ
وَأَنْشَدْتُ عَنْ الرَّبِيعِ لِلشَّافِعِيِّ ﵁:
لَا تَحْمِلَنَّ لِمَنْ يَمُنُّ ... مِنْ الْأَنَامِ عَلَيْك مِنَّهْ
وَاخْتَرْ لِنَفْسِك حَظَّهَا ... وَاصْبِرْ فَإِنَّ الصَّبْرَ جُنَّهْ
مِنَنُ الرِّجَالِ عَلَى الْقُلُوبِ ... أَشَدُّ مِنْ وَقْعِ الْأَسِنَّهْ
وَمِنْ شُرُوطِ الْمَعْرُوفِ أَنْ لَا يَحْتَقِرَ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا نَزْرًا إذَا كَانَ الْكَثِيرُ مَعُوزًا وَكُنْت عَنْهُ عَاجِزًا، فَإِنَّ مَنْ حَقَّرَ يَسِيرَهُ فَمَنَعَ مِنْهُ أَعْجَزَهُ كَثِيرُهُ فَامْتَنَعَ عَنْهُ، وَفِعْلُ قَلِيلِ الْخَيْرِ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ. فَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَمْنَعُكُمْ مِنْ الْمَعْرُوفِ صَغِيرُهُ» . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ: لَا تَسْتَحِ مِنْ الْقَلِيلِ فَإِنَّ الْمَنْعَ أَقَلُّ مِنْهُ، وَلَا تَجْبُنْ عَنْ الْكَثِيرِ فَإِنَّك أَكْثَرُ مِنْهُ.
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
اعْمَلْ الْخَيْرَ مَا اسْتَطَعْتَ وَإِنْ كَانَ ... قَلِيلًا فَلَنْ تُحِيطَ بِكُلِّهِ
وَمَتَى تَفْعَلُ الْكَثِيرَ مِنْ الْخَيْرِ ... إذَا كُنْتَ تَارِكًا لِأَقَلِّهِ
عَلَى أَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ مَا لَا كُلْفَةَ عَلَى مُولِيهِ، وَلَا مَشَقَّةَ عَلَى مُسْدِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ جَاهٌ يَسْتَظِلُّ بِهِ الْأَدْنَى وَيَرْتَفِقُ بِهِ التَّابِعُ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:
ظِلُّ الْفَتَى يَنْفَعُ مَنْ دُونَهُ ... وَمَا لَهُ فِي ظِلِّهِ حَظُّ
وَاعْلَمْ أَنَّك لَنْ تَسْتَطِيعَ أَنْ تَسَعَ جَمِيعَ النَّاسِ مَعْرُوفُك وَلَا أَنْ تُولِيَهُمْ إحْسَانَك، فَاعْتَمِدْ بِذَلِكَ أَهْلَ الْفَضْلِ مِنْهُمْ وَالْحِفَاظِ وَاقْصِدْ بِهِ ذَوِي الرِّعَايَةِ وَالْوِدَادِ؛ لِيَكُونَ مَعْرُوفُك فِيهِمْ نَامِيًا، وَصَنِيعُك عِنْدَهُمْ زَاكِيًا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ «لَا تَنْفَعُ الصَّنِيعَةُ إلَّا عِنْدَ ذِي حَسَبٍ وَدِينٍ» . وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ «إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا جَعَلَ صَنَائِعَهُ فِي أَهْلِ الْحِفَاظِ» . وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ ﵁:

1 / 205