Adab Dunya Wa Din
أدب الدنيا والدين
Publisher
دار مكتبة الحياة
Edition Number
الأولى
Publication Year
1407 AH
Publisher Location
بيروت
Genres
Sufism
أَنْصَفُ. وَهَذِهِ أُمُورٌ إنْ لَمْ تَخْلُصْ فِي الْأَكْفَاءِ أَسْرَعَ فِيهِمْ تَقَاطُعُ الْأَعْدَاءِ فَفَسَدُوا وَأَفْسَدُوا. وَقَدْ رَوَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَلَا أُنْبِئُكُمْ بِشِرَارِ النَّاسِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: مَنْ أَكَلَ وَحْدَهُ وَمَنَعَ رِفْدَهُ وَجَلَدَ عَبْدَهُ ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُنْبِئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: مَنْ يُبْغِضُ النَّاسَ وَيُبْغِضُونَهُ» . وَرُوِيَ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ﵉ قَامَ خَطِيبًا فِي بَنِي إسْرَائِيلَ فَقَالَ: يَا بَنِي إسْرَائِيلَ لَا تَتَكَلَّمُوا بِالْحِكْمَةِ عِنْدَ الْجُهَّالِ فَتَظْلِمُوهَا، وَلَا تَمْنَعُوهَا أَهْلَهَا فَتَظْلِمُوهُمْ، وَلَا تُكَافِئُوا ظَالِمًا فَيَبْطُلَ فَضْلُكُمْ. يَا بَنِي إسْرَائِيلَ الْأُمُورُ ثَلَاثَةٌ: أَمْرٌ تَبَيَّنَ رُشْدُهُ فَاتَّبِعُوهُ، وَأَمْرٌ تَبَيَّنَ غَيُّهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَأَمْرٌ اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى.
وَهَذَا الْحَدِيثُ جَامِعٌ لِآدَابِ الْعَدْلِ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: كُلُّ عَقْلٍ لَا يُدَارَى بِهِ الْكُلُّ فَلَيْسَ بِعَقْلٍ تَامٍّ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
مَا دُمْت حَيًّا فَدَارِ النَّاسَ كُلَّهُمْ ... فَإِنَّمَا أَنْتَ فِي دَارِ الْمُدَارَاتِ
مَنْ يَدْرِ دَارَى وَمَنْ لَمْ يَدْرِ سَوْفَ يَرَى ... عَمَّا قَلِيلٍ نَدِيمًا لِلنَّدَامَاتِ
وَقَدْ يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الطَّبَقَاتِ أُمُورٌ خَاصَّةٌ يَكُونُ عَدْلُهُمْ فِيهَا بِالتَّوَسُّطِ فِي حَالَتَيْ التَّقْصِيرِ وَالسَّرَفِ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ مَأْخُوذٌ مِنْ الِاعْتِدَالِ، فَمَا جَاوَزَ الِاعْتِدَالَ فَهُوَ خُرُوجٌ عَنْ الْعَدْلِ. وَقَدْ قَالَتْ الْحُكَمَاءُ: الْفَضَائِلُ هَيْئَاتٌ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ خَلَّتَيْنِ نَاقِصَتَيْنِ، وَأَفْعَالُ الْخَيْرِ تَتَوَسَّطُ بَيْنَ رَذِيلَتَيْنِ. فَالْحِكْمَةُ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الشَّرِّ وَالْجَهَالَةِ. وَالشُّجَاعَةُ وَاسِطَةٌ بَيْنَ التَّقَحُّمِ وَالْجُبْنِ. وَالْعِفَّةُ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الشَّرَهِ وَضَعْفِ الشَّهْوَةِ. وَالسَّكِينَةُ وَاسِطَةٌ بَيْنَ السَّخَطِ وَضَعْفِ الْغَضَبِ. وَالْغَيْرَةُ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الْحَسَدِ وَسُوءِ الْعَادَةِ. وَالظُّرْفُ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الْخَلَاعَةِ وَالْعَرَامَةِ. وَالتَّوَاضُعُ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الْكِبْرِ وَدَنَاءَةِ النَّفْسِ. وَالسَّخَاءُ وَاسِطَةٌ بَيْنَ التَّبْذِيرِ وَالتَّقْتِيرِ. وَالْحِلْمُ وَاسِطَةٌ بَيْنَ إفْرَاطِ الْغَضَبِ وَعَدَمِهِ.
1 / 141