198

Afʿāl al-Rasūl ﷺ wa-dalālatuhā ʿalā al-aḥkām al-sharʿiyya

أفعال الرسول ﷺ ودلالتها على الأحكام الشرعية

Publisher

مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع

Edition Number

السادسة

Publication Year

١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م

Publisher Location

بيروت - لبنان

Genres

القانون العام الذي ثبت بالأدلة المتقدمة. بل الأصل في أفعاله ﷺ أنه يريد بها الموافقة. وهذا جواب المازري، وأقرّه أبو شامة، وقرّره الآمدي (١).
٢ - أن يقال: من أجاز صدور الصغيرة عنه ﷺ إنما أجازها فيما لا ينبني عليه تشريع، فإذا انبنى عليها تشريع امتنعت عند قوم (٢)، ولزم التنبيه عند آخرين، كما تقدم، لئلا يستقر في الشريعة ما هو مخالف لأحكام الله، إذ الشريعة معصومة بالإجماع.
هذا وقد تتقوى هذه الشبهة بتدخل عنصر معيّن، وهو أن الله تعالى أمدَّ رسوله ﷺ، جزاء صبره على تكاليف الدعوة إلى أن فتح عليه، أمدّه بمغفرة سابقة لما قد يقع منه من المخالفات. قال تعالى في أول سورة الفتح: ﴿إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا * ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخر﴾ فقد يُظَن أن ذلك مما يدعوه ﷺ إلى الاسترسال وعدم التحرّج، اعتمادًا على المغفرة السابقة.
وقد عرضت هذه الشبهة في الأفعال النبوية لبعض الصحابة.
ففي صحيح مسلم عن عائشة ﵂: "أن رجلًا جاء إلى النبيّ ﷺ يستفتيه، وهي تسمع من وراء الباب، فقال: يا رسول الله، تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم، فقال رسول الله ﷺ: وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم. فقال: لست مثلنا يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. فقال: والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعْلَمكلم بما أتقي" (٣)، وفي رواية أبي داود: "وأعلمكم بما أتّبع". وفي مسند أحمد: "وأعلمكم بحدوده ". وفي رواية: "وأحفظكم لحدوده".

(١) الإحكام ١/ ٢٥٠
(٢) منهم أبو عبد الله البصري، والقاضي عبد الجبار المعتزلي، انظر كتابه: المغني ١٥/ ٢٨٨ حيث يقول: "لم يثبت أن لا فعل إلا ويجب التأسي فيه، وإنما يجوز ذلك على وجه التأويل، وما هذا حاله لا تجوز فيه المعصية، وإنما يجوز ذلك على وجه التأويل فيما لا يتعلق بالشرائع". ونقل مثل ذلك عن أو عبد الله (البصري) ١٥/ ٢٨٧
(٣) صحيح مسلم، ط عبد الباقي ٢/ ٧٨١

1 / 205