أسندت إلى الله تعالى، دلت على صفة له تتعلق بالممكنات، فيترجح بها أحد وجهي المقدور، وقد كان جائز الوقوع وعدم الوقوع. وقوله: ﴿مَثَلًا﴾ واقع موقع التمييز لاسم الإشارة (هذا)؛ كقولك لمن أجاب بجواب غير مقبول: ماذا أردت بهذا جوابًا؟.
وكلام هؤلاء الكافرين لفظة استفهام عما أراد الله من الأمثال، ومعناه: استحقار لهذه الأمثال، وإنكار لأن يكون الله قد ضربها للناس.
﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا﴾:
دلت هاتان الجملتان على أن العلم بكون المثل حقًا، مما يزداد به المؤمنون رشدًا على رشدهم، وأن إنكاره ضلال يزداد به الكافرون تخبطًا في ظلمات جهلهم، وأفادتا: أن كلًاّ من فريقي المؤمنين به، والمنكرين له ليسوا بقليل، والمهتدون في أنفسهم كثير، وإذا وصفوا بالقلة، فبالقياس إلى أهل الضلال. والمثل إنما يراد من ضربه التذكر والهداية؛ كما قال تعالى: ﴿وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [إبراهيم: ٢٥]. وقد يسمعه الزائغون عن سبيل الحق، ولا يتدبرونه بروية، فيزدادون به غواية وبعدًا من مواطن الخير والتقوى.
﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ﴾:
الفاسقون: جمع فاسق؛ من الفسق، وهو في أصل اللغة: الخروج، يقال: فسقت الرطبة من قشرها؛ أي: خرجت منه. وشرعًا: الخروج عن طاعة الله، فيشمل الخروج من حدود الإيمان، وهو الكفر، ثم مادون الكفر من الكبائر والصغائر، ولكنه اختص في العُرف من بعد بارتكاب الكبيرة، ولم يُسمع الفسق في كلام الجاهلية بمعنى الخروج عن الطاعة، فهو بهذا