Acmal Kamila
موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين
Genres
هذا معطوف على قوله: {وإذ قال ربك للملائكة ...} [البقرة: 30]، والسجود في اللغة: الخضوع، والتذلل. وفي عرف الشارع: وضع الجبهة على الأرض بقصد العبادة، والسجود المأمور به في الآية يحمل على المعنى المعروف في اللغة؛ أي: إن الله تعالى أمرهم بفعل تجاه آدم يكون مظهرا # للخضوع والتواضع له، غير وضع الجبهة على الأرض الذي هو عبادة، إذ عبادة غير الله شرك.
ومن حملوا السجود في الآية على معنى وضع الجبهة على الأرض، ادعوا أن سجوده كان لله، وأن آدم إنما كان كالقبلة يتوجه إليه الساجدون. وهو تأويل يبعده أن المقام مقام إظهار فضل آدم عليهم، وإظهار فضله لا يتحقق بمجرد كونه قبلة للسجود.
{فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين}:
أفادت الفاء في قوله: {فسجدوا}: أنهم سارعوا في الامتثال، ولم يتثبطوا فيه. وإبليس: اسم للشيطان أعجمي، وهو كائن حي. وقد أخطأ وجه الحق من حمله على معنى: داعي الشر الذي يخطر في النفوس. وليس من المعقول أن تحمل عليه الآيات، وهي صريحة في أنه كان يقول، ويقال له، ويرى الناس، ولا يرونه: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} [الأعراف: 27].
واستئناء إبليس من الملائكة ظاهر في أنه كان من قبيلهم؛ إذ الأصل في المستثنى أن يكون داخلا تحت اسم المستثنى منه حتى يقوم دليل على أنه خارج عنه. والإباء: الامتناع مع الاختيار والتمكن من الفعل. والاستكبار: التكبر والتعاظم في النفس. و (كان) في قوله: {وكان من الكافرين} بمعنى صار.
ولما كان استثناء إبليس من الساجدين لا يدل على أنه ترك السجود عصيانا؛ إذ قد يكون تركه لعذر، دل بقوله: {أبى واستكبر} على أنه امتنع من السجود أنفة وتعاظما، وأردف هذا التعاظم باعتراضه على الله تعالى في تفضيل # آدم، فصار بذلك في فريق الكافرين، فقال تعالى: {وكان من الكافرين}.
Page 68