Acmal Kamila
موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين
Genres
{أولئك يؤمنون به}:
هذا خبر عن قوله: {الذين آتيناهم الكتاب}، ولو لم يذكر اسم الإشارة "ذلك"، واقتصر على قوله: {يؤمنون به}، لحصلت فائدة إثبات الإيمان للذين أوتوا الكتاب، وتلوه تلاوة حقة، ولكن في ذكر اسم الإشارة، ووضعه في صدر الجملة المخبر بها زيادة تأكيد لإثبات إيمانهم؛ كما هو المعروف في فنون البلاغة. وفي هذه الجملة تعريض بأولئك المعاندين، فكأن الآية تقول: الذين آتيناهم الكتاب، وكان من حالهم أن تلوه حق تلاوته، يؤمنون به إيمانا لا يرتاب فيه، دون المعاندين المحرفين لكلمه عن مواضعه.
{ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون}:
الكفر بالكتاب يتحقق بتحريفه، وإنكار بعض ما جاء فيه، وأثبت للكافرين الخسران في جملة توسط فيها ضمير الفصل {هم} بين المبتدأ والخبر، وجاء الخبر معرفا بال {الخاسرون}، فأفادت الجملة أن الكافرين بالكتاب يختصون بالخسران، ولا يتعداهم إلى غيرهم ممن أخلصوا الإيمان به، فالكافرون هم الخاسرون في الدنيا؛ حيث لا يعيشون فيها عيش المؤمنين بحق: صدور منشرحة، ونفوس مطمئنة، وتأييد من الله يجعلهم منصورين على من يناوئهم، وكذلك الإيمان الراسخ يفرغ على القلوب صبرا يخف به وقع الخطوب، ويذود عنها حرجا لا يفارق صدر الكافر، ولو ملك رياسة قاهرة، وأموالا وافرة، وإذا نهض صاحبه لكفاح عدو، كان نصر الله منه قريبا. والكافرون هم الخاسرون في الآخرة؛ إذ يفوتهم ما أعده الله للمؤمنين من نعيم دائم، ومقام كريم، ويخلدون بعد هذا الحرمان في عذاب مهين.
Page 222