173

Mawsūʿat al-aʿmāl al-kāmila liʾl-Imām Muḥammad al-Khaḍr Ḥusayn

موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين

Editor

علي الرضا الحسيني

Publisher

دار النوادر

Edition

الأولى

Publication Year

1431 AH

Publisher Location

سوريا

Genres

جارٍ مجرى الإنكار عليهم، حيث طمعوا في استجابة أولئك اليهود لدعوة الإيمان، وحالهم ما ذكر في قوله تعالى بعدُ: ﴿وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ. . .﴾.
﴿وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾:
الفريق المشار إليه في الآية: هم الأحبار الذين حرفوا التوراة. وكلام الله: التوراة. وتحريف كلام الله يصدق بتأويله تأويلًا فاسدًا، وروي هذا الوجه في تفسير الآية عن ابن عباس. ويصدق بمعنى: تغييره بوضع كلام آخر مكانه، وهو الوجه الذي ذهب إليه جمهور المفسرين، وقد وقع من أولئك الأحبار التحريف بالتأويل وبالتغيير، كما فعلوا ذلك في نعته - ﷺ -؛ فقد روى البخاري أن من صفاته فيها: أنه أبيض رَبْعة، فغيّروه: أسمر طويل.
وقد بسط جماعة من المحققين القول في إثبات تحريف التوراة على معنى: إسقاط بعض النصوص، ووضع كلام آخر بدلها؛ كابن حزم، وابن تميمة، وغيرهما، والتحريف بمعنى التأويل الباطل قد ارتكبه طوائف من الجهلة أو الملاحدة في القرآن الكريم. وأما التحريف بمعنى: إسقاط الآية، ووضع كلام بدلها، فقد حفظ الله منه كتابه العزيز ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩]. ومن الأسباب التي هيأها الله لحفظه، ما قام به عثمان -﵁- من جمع الناس على مصحف، وإحراق كل مصحف وقع فيه تحريف على وجه الخطأ، أو سوء القصد.
وإنما كان قيام فريق من اليهود بتحريف الكتاب سببًا لليأس من إيمان الطائفة المشار إليها بقوله تعالى: ﴿أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ﴾، ذلك لأن هذه الطائفة قد سبق أن تلقت دينها من قوم يحرفون الكتاب، وهم إنما يلقنونهم

1 / 139