(ب) معرفته وإتقانه لموطأ الإمام مالك:
صنف الإمام مالك الموطأ وتوخى فيه القوى من حديث أهل الحجاز ومزجه بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين ومن بعدهم فكان فيه المرسل، والمنقطع، والبلاغات وقد ميزها العلماء. يقول أبو بكر الأبهري: "جملة ما في الموطأ من الآثار عن النبي ﷺ، وعن الصحابة والتابعين (١٧٢٠) حديثا المسند منها (٦٠٠)، والمرسل (٢٢٢)، والموقوف (٦١٣)، وعن قول التابعين (٢٨٥) (^١). وقد انتقى الإمام مالك أحاديث الموطأ من مائة ألف حديث كان يرويها، واستغرق تصنيفه وتنقيحه أربعين عامًا (^٢)، ولما كان الإمام مالك أحد أعلام الإسلام، وشديد الانتقاد للرجال عالمًا بشأنهم (^٣)، ولا يروي في كتبه إلا عن الثقات- قال بشر الزهراني: "سألت مالكًا عن رجل فقال رأيته في كتبي. قلت: لا. قال: لو كان ثقة لرأيته في كتبي" (^٤). وقال ابن معين: "كل من روى عنه مالك فهو ثقة إلا عبد الكريم) (^٥) ولأجل هذا اهتم أبو زرعة بموطأ مالك حتى أحاط به إحاطة تامة مع الإتقان والتثبيت، ولقد ابتدأ حفظه للسنة النبوية بأحاديث الإمام- قال أبو زرعة: "أول شيء أخذت نفسي تحفظه من الحديث مالك فلما حفظته، ووعيته طلبت حديث الثورى" … (^٦) حتى برع فيه.
قال علي بن الحسين بن الجنيد المالكي: "ما رأيت أحدًا أعلم بحديث مالك بن أنس مسندها، ومنقطعها من أبي زرعة، وكذلك سائر العلوم، ولكن
(^١) انظر: تنوير الحوالك على موطأ مالك للسيوطي ص ٨.
(^٢) انظر المصدر السابق ص ٧.
(^٣) وصفه ابن عيينة بشدة الانتقاد للرجال والعلم بهم. انظر: تهذيب التهذيب ج ١٠ ص ٦.
(^٤) انظر: تهذيب التهذيب ج ١٠ ص ٦.
(^٥) انظر: تهذيب التهذيب ج ١٠ ص ٧ وعبد الكريم هو (ابن أبي المخارق).
(^٦) انظر: الانتقاء لابن عبد البر ص ٣٢.