كذلك الطفل اليتيم أو الطفل الذي افترق أبواه، وتربى مهملا أو مدللا في حضانة أم جاهلة لاهية، فهو عرضة للشذوذ الجنسي إذا كان ضعيف المزاج في بيئة مغرية، شبيها بالنساء في سماته وملامحه، ولكنه قد يندفع إلى السطو والإجرام إذا كان قوي المزاج متغلبا على أقرانه، وقد يسلم من الشذوذ والإجرام معا وهو ضعيف المزاج مشابه للنساء إذا نشأ في بيئة بعيدة عن مغريات الرذيلة والجريمة، أو كانت الرذيلة والجريمة في بيئته مما ينفر الطفل، ويثير سخطه واشمئزازه.
فالعلامات الجسدية وحدها لا تكفي لتمييز الشواذ، والدلالة على عاهات الأخلاق والطباع، ولا بد معها من قرائن عدة تتناول البيئة في نطاقها المحدود، وفي نطاق المجتمع الكبير، وتأتي دلالتها حتمية قاطعة متى ثبت المرض، وتجمعت أعراضه الأخرى. أما قبل ذلك فهي دلالة ناقصة تسقط من كل تقدير صحيح. •••
وسنرى عند تطبيق هذه العلامات على أبي نواس نماذج من الأعراض، التي لا تدل على شيء حين تنفرد، ولا تنقض دلالتها حين تجتمع؛ فإن أعراض البنية والتربية البيتية ونشأة المجتمع، وأحداث العصر قد اجتمعت في حالته الخاصة دون سائر الحالات التي وجد فيها شعراء عصره، فجعلته تلك «الشخصية النموذجية» التي تكاد لا تتكرر في جيل.
شخصية منحرفة
شخصية أبي نواس
والآن نستطيع أن نثبت من سيرة «الحسن بن هانئ» صاحب الشخصية النموذجية، التي وجدت حقا ولم يخلقها الوهم من تصورات السامعين به على حسب اختلاف الأوقات والأحوال.
وهذه الشخصية النموذجية غير شخصية «أبي النواس» هي شخصية «نرجسية» باصطلاح النفسيين المحدثين على أن تفهم «النرجسية» فهما يخالف تعليلات «فرويد» وتعميماته، وهي تلك التعليلات والتعميمات التي لا يقرها أحد من نظرائه وأنداده، ومنهم أناس ضارعوه في المنزلة العلمية، والشهرة العالمية بعد أن تتلمذوا عليه.
فليست النرجسية طورا طبيعيا من أطوار العمر يمر به كل إنسان، ولكنها آفة نفسية تولد مع صاحبها في رأي بعض النفسيين، وتنشأ من التربية البيتية وعوارض المعيشة الاجتماعية في رأي آخرين.
فمن الذين أنكروا تعليل فرويد لهذه الآفة العالم الفرنسي الدكتور رولان دالبيج
Dalbieg ، الذي عقب على مذهب فرويد بمجلدين ضخمين خلاصتهما أن فرويد لا يفرق بين منهج العلاج وفلسفة علم «النفاسيات»، وقد تناول دراسة النرجسية خاصة فقال في لهجة حاسمة: «ولكن هل لدينا ما يسوغ الذهاب إلى أبعد من هذا المدى لنقول كما قال فرويد: إن النرجسية درجة طبيعية في التطور الجنسي؟ إننا لا نتردد في الإجابة عن هذا السؤال بالنفي، فليس التطور الجنسي سلسلة متتابعة من الشذوذات، وليس النمو الجسدي كذلك سلسلة متتابعة من المسوخات».
Unknown page