ولعل أبو نواس لم يحفظ للأمين من ذكراه ما هو أدنى إلى طبعه من معاقرته الخمر، ومن مجونه وملاحته:
أأرفضها والله لم يرفض اسمها
وهذا أمير المؤمنين صديقها
فإذا كانت لازمة «الارتداد النرجسي» بحاجة إلى مورد يستعير منه الشاعر ما ليس عنده من الزينة الشخصية، فليس أحرى من الأمين أن يكون هذا المورد الرفيع، مع ما تقدم من ولع الشاعر بترديد الزهو بسمات الملوك وزينة التاج والإكليل. •••
وخلاصة القول في النرجسية: إن أبا نواس كان من الشواذ في تكوينه الجنسي ودوافعه النفسية، ولكن شذوذه غير الشذوذ الذي اشتهر به، وهو إيثاره الذكران على الإناث، ولا بد من التفرقة بين الشذوذين؛ لأن النرجسية تفسر أطوار أبي نواس جميعا، والشذوذ الآخر لا يفسرها، وهذا عدا ضرورة التفرقة بين الشذوذين للكشف عن بواطن السريرة، وفهم الأخلاق الخاصة والأخلاق الاجتماعية.
فغرام أبي نواس بالجنسين وانحرافه مع بني جنسه فاعلا ومنفعلا أمر لا يفسره إيثار الذكران على الإناث
Homosexuality ، ولكن النرجسية تفسره كل التفسير من جميع نواحيه.
والنرجسية تفسر الولع بالمجاهرة الإباحية، ولكن الشذوذ الآخر لا يفسرها؛ لأنه قلما يغري صاحبه بالمجاهرة وكثيرا ما يوحي إليه التخفي والاستتار، وإذا تبذل فإنما يتبذل لاعتقاده أنه أهون من أن يلفت الأنظار وأهون من أن يبالي الإهانة؛ لا لأنه يعمل على لفت الأنظار والاستهانة بالملام.
وقد تكون التفرقة هامة للعلاج النفسي لا محالة يوم تنكشف خصائص الغدد، ومفرزاتها وعلاقتها بالأطوار الجنسية والنفسية، فقد يصبح تعديل هذه المفرزات بالعلاج الجسدي ميسورا، كما يصبح ضروريا لتقويم الأبدان والأفكار.
أبو نواس وأوسكار وايلد
Unknown page