ولكن هذا الاستثناء لم يكن على أية حال مصادفة لغير سبب، كما سنرى في موضع البيان عن أسباب هذه الشهرة عند نشأتها الأولى، ومتى وجدت الشهرة فهي قابلة بعد ذلك للإضافة والزيادة، ولو من غير القبيل الذي نشأت من أجله في مرحلتها الأولى.
وإذا كان هذا شأن الأميين في التحدث بأخبار الشاعر المجدود، فلا عجب أن يتحدث به أشباه الأميين وهم أقرب إلى الأدب المقروء في الكتب، والقدرة على فهم القليل منه، إن فاتهم فهم أكثره وأصحه.
ونعني بأشباه الأميين أولئك الذين يقرءون ولا يقدرون على تصحيح نسبة الكلام واستقصاء وجوه التصحيح، فإذا سمعوا كلاما لشاعر مشهور غيره، جاز عندهم أن يكون لهذا أو لذلك، وإن كان الفارق بينهما واضحا لنقاد الأدب ورواته المتثبتين.
هؤلاء القراء أشباه الأميين يعرفون النواسي كإخوانهم الأميين؛ أي يعرفونه لأنه شخصية ذات أخبار، وقلما يعنيهم منه ذلك الشعر الذي ينسبونه إليه سواء صحت نسبته إليه أو إلى غيره، أو كان مختلقا ملفقا لا تصح نسبته إلى أحد من الشعراء المشهورين.
والغالب على هذه الشخصية أنها شخصية النديم اللاهي - «الحاذق» - ونكاد نكتبها «الحدق» بالدال، وعلى غير صيغة اسم الفاعل؛ لأن «الحداقة» كما يفهمها العامة هي أم الصفات التي تتغلب على «النواسي» في روايات أشباه الأميين، ومنها سرعة الجواب والفهم بالإشارة، أو الفهم الذي يوشك أن يكون اطلاعا على الغيب، مع اللباقة في اللعب بالكلام أو اللعب بالأفهام على حسب المقام، ولا سيما اللهو ونبذ الحياء والملام.
وليس أشهر من الأدب المنسوب إلى أبي نواس في الكتب التي تروج بين أشباه الأميين، ومنها ألف ليلة، وأعلام الناس فيما جرى للبرامكة مع بني العباس، وقليله يغني عن الكثير.
قيل: «إن أمير المؤمنين هارون الرشيد أرق ذات ليلة، فقام يتمشى في قصره بين المقاصير، فرأى جارية من جواريه نائمة فأعجبته فداس على رجلها، فانتبهت فرأته، فاستحيت منه، وقالت: يا أمين الله ما هذا الخبر؟
فأجابها يقول:
قلت: ضيف طارق في أرضكم
هل «تضيفوه» إلى وقت السحر
Unknown page