Abu Hanifa Wa QIyam Insaniyya
أبو حنيفة والقيم الإنسانية في مذهبه
Genres
فإن من شأن هذا، أن يتيح للناس حياة أكثر استقرارا ودعة، ويوفر لهم من الزمن ما ينفقونه في الإقبال على العلوم وتدوينها والكتابة فيها، وهذه نقلة طبيعية كان لا بد منها.
أما أصل الميل إلى المعرفة والبحث، وتشجيع العلماء والباحثين، فهو أمر يسير مع الزمن، وهو يشتد متى استقر أمر الدولة، وفرغت من توطيد نفوذها وسلطانها.
ولعل من آيات هذا الذي نقول، أن الباحث في التاريخ الفكري للمسلمين في عهد هاتين الدولتين يجد الفرق والمذاهب والمقالات الدينية - من شيعة وخوارج ومعتزلة - هي هي، وأن تدوين العلوم بدأ يأخذ صورته العامة الشاملة في عهد الدولة الأموية نفسها، وأنه لما استقر الحكم للأمويين في الأندلس ازدهر البحث والعلم إلى درجة تكاد تكون منقطعة النظير.
ومهما يكن فقد نشأ أبو حنيفة في بيئة عقلية تموج بالعلم والعلماء، وتزخر بأصحاب المذاهب والمقالات الدينية المختلفة في الأسس والأهداف والغايات، وكان من الطبيعي أن يتأثر بهذا الجو، وأن تكون له مشاركة فيما يضطرب فيه من آراء وأفكار. وسنعرف بعض هذا عندما نتكلم عن ترجمته وحياته بصفة عامة.
على أن هذا لا يمنعنا الآن من الإشارة إلى ما كان يسود هذا العصر من نزعتين أو منهجين في الفقه والتشريع؛ وهما منهجان نرى لهما آثارا واضحة في غير الفقه؛ أي في التفسير والحديث واللغة والأدب مثلا.
هذان المنهجان هما: المنهج النقلي، والمنهج العقلي. ونستطيع أن نعبر عنهما، فيما يتصل بالفقه خاصة، بمنهج أهل الحديث ومنهج أهل الرأي.
وهما منهجان أو نزعتان قديمتان ظهرتا أيام الصحابة أنفسهم؛ بل إن لنا أن نقرر أنهما ظهرتا في السنوات الأولى من وفاة الرسول
صلى الله عليه وسلم .
2
لقد التقى هذان المنهجان في الفقه إذا، وكان كل منهما يعرف من الآخر وينكر، ويوافق ويخالف، ويؤثر ويتأثر، وكان لكل منهما أسباب تشد من أزره وتقويه، وكان من أسباب المنهج العقلي ما كان من تسرب التفكير اليوناني إلى البلاد الإسلامية في بطء وعلى استحياء زمن الأمويين، وفي انسياب وجرأة أيام العباسيين، بسبب ما كان من كثرة النقل والترجمة لفلسفات وتفكير القدامى، وبخاصة اليونان.
Unknown page