89

Abu Hanifa Wa QIyam Insaniyya

أبو حنيفة والقيم الإنسانية في مذهبه

Genres

وفي صلاة الجمعة نجد أن أبا حنيفة يشترط لصحتها أن يقوم بها الخليفة، أو من يأذن له بإقامتها من أمير أو وال ونحوهما، حتى إن من ينصبه العامة في بلد من البلاد لإقامة الجمعة مع وجود أحد ممن ذكرنا ليس له أن يصلي بهم الجمعة إلا لضرورة، وكذلك الأمر في إقامة الجمعة بمنى أيام الحج، فالخليفة أو نائبه هو الذي له إقامتها، وليس ذلك لأمير الحج، إلا لو كان ذلك مما أذن له فيه من قبل الإمام.

50 (8)

وأخيرا، على المسلم زكاة أمواله على اختلاف صنوفها من باطنة وظاهرة، والأموال الباطنة هي النقود وأموال التجارة إذا كانت في مواضعها، والظاهرة هي المواشي وغيرها من السلع التجارية إذا خرج بها من بلده إلى بلد آخر.

وله أن يدفع زكاة الأموال الباطنة إلى الفقراء والمستحقين لها بنفسه، ويصدق بيمينه إن ادعى ذلك، أما في الأموال الظاهرة، فلا يصدق قوله: أديت زكاتها للفقراء؛ لأن حق المطالبة بزكاتها وأخذها - لتوزيعها على مصارفها - للسلطان أو من ينيبه عنه لذلك، وإذا فللإمام أخذها ثانيا، عند أبي حنيفة، خلافا لبعض الفقهاء.

51

وبعد، فتلك هي الاتجاهات الكبرى التي رأيناها تسود تفكير أبي حنيفة الفقهي، ولا نزعم أنها كل ما كان له من اتجاهات، ولا أنه كان يقصد عامدا إليها؛ ولكن رأينا ظهور كل منها بوضوح في كثير من آرائه وتفكيره، وبذلك فتحنا الباب لأبحاث تظهر منا أو غيرنا في هذه الناحية الهامة التي تساعد إلى حد كبير في تجلية أبي حنيفة ومذهبه الفقهي.

وإذا كان الاستثناء يؤكد القاعدة كما يقولون ، فإننا نذكر أن الباحث لا يعسر عليه أن يجد من آراء الإمام ما لا يتفق مع هذا أو ذاك من الاتجاهات التي ذكرناها، وحسبنا هنا أن نشير إلى هذه المسائل: (1)

يرى أبو حنيفة أن المجنون إذا أفاق من جنونه في بعض شهر رمضان فعليه قضاء ما مضى منه، وليس هذا من التيسير في شيء، وإنما التيسير فيما روي عن الشافعي وغيره من أنه لا قضاء عليه؛ لأنه لم يكن عليه أداؤه وهو مجنون، والإنسان يقضي ما كان عليه أداؤه. (2)

وكذلك ليس من التيسير في المعاملات ما ذهب إليه من عدم جواز «السلم» في الحيوان، ولا في منقطع الجنس من السلع وقت العقد، ومن عدم جوازه إلا مؤجلا؛ ولكن التيسير فيما ذهب إليه الشافعي وغيره من الجواز في هذه المسائل الثلاث.

52

Unknown page