قال ثيو: «لن نخاطر بركوب المروحية. استدع حاملي النقالة الطبية. وانقل جثة الحاكم. لا أريدها أن تراها.»
بينما تقدم جنديان من الحرس الملكي وبدآ يجران الجثة، قال ثيو: «أظهرا بعض الاحترام. تذكرا من كان قبل بضع دقائق. لم تكونا لتجرؤا على لمسه حينها.»
التفت وقاد أعضاء المجلس إلى داخل السقيفة. بدا له أنهم دخلوا مترددين على مضض، المرأتان أولا ثم ولفينجتون وكارل. لم يقترب ولفينجتون من جوليان بل وقف عند رأسها وكأنه حارس متأهب. جثت المرأتان على ركبتيهما، لا بدافع احتياجهما لأن تدنوا من الطفل بقدر ما كان إجلالا له، على حد ظن ثيو. ونظرتا إلى جوليان وكأنما تستجديان موافقتها. ابتسمت ومدت يدها إليهما بالطفل. مدتا يديهما وهما تتمتمان وتنتحبان، ويهتز جسداهما من البكاء والضحك، ولمستا رأسه ووجنتيه وذراعيه الملوحتين. رفعت هارييت إصبعا فقبض الطفل عليه فجأة. فضحكت، ونظرت جوليان إلى ثيو وقالت: «أخبرتني ميريام أن الرضع يقبضون على الأشياء بتلك الطريقة. لكن ذلك لا يدوم طويلا.»
لم ترد المرأتان. كانتا تبكيان وتبتسمان وتصدران أصواتا سخيفة مبتهجة تنم عن الترحاب والاكتشاف. بدوتا لثيو كرفقة إناث مبتهجة. نظر إلى كارل، مندهشا من أنه استطاع أن يتحمل تلك الرحلة، وأنه لا يزال واقفا على قدميه. نظر كارل إلى الطفل بعينيه المحتضرتين وتلا نشيد سمعان. «إذن سيبدأ الأمر من جديد.»
قال ثيو في نفسه: «سيبدأ الأمر من جديد، بالغيرة والخيانة والعنف والقتل، بذلك الخاتم في إصبعي.» نظر إلى الياقوتة الزرقاء الضخمة التي يطوقها الألماس اللامع، وإلى الصليب المصنوع من الياقوت الأحمر الذي يعلوها، ولفلف الخاتم في إصبعه شاعرا بثقله. كان وضعه في إصبعه حركة غريزية لكنها كانت متعمدة، كانت لفتة لتأكيد سلطته وضمان الحماية. كان يعلم أن حرس الجرينادير سيأتي مدججا بالسلاح. وكان من شأن مرأى ذلك الرمز اللامع في إصبعه أن يجعلهم على الأقل يتمهلون، ويمنحونه الفرصة لأن يتكلم. لكن هل يحتاج لأن يظل مرتديا إياه الآن؟ كان يملك في يده الآن كامل سلطة زان، بل أكثر منها. كان كارل في أيامه الأخيرة، مما يعني أن المجلس بلا قائد. لبعض الوقت على الأقل سيضطر لأن يتولى منصب زان. كان ثمة مشكلات تحتاج إلى معالجتها؛ لكن كل شيء في أوانه. لن يستطيع أن يصلح كل شيء في آن واحد، يجب أن يكون لديه أولويات. أهذا ما أدركه زان؟ هل كان زان يشعر كل يوم من أيام حياته بنشوة السلطة التي اجتاحته فجأة؟ ذلك الشعور بأن كل شيء أصبح بمقدوره، أن ما يطلبه سيلبى، أن من يكره سيدمر، وأن العالم سيسير حسب رغبته. شرع في نزع الخاتم من إصبعه، لكنه توقف وأعاده مرة أخرى. سيقرر فيما بعد ما إن كان يحتاج لارتدائه، ولكم من الوقت.
قال: «اتركونا الآن.» وانحنى لمساعدة المرأتين على النهوض. خرجوا صامتين كما دخلوا.
نظرت جوليان إليه؛ فلاحظت الخاتم للمرة الأولى. قالت: «ذلك لم يصنع لإصبعك.»
وللحظة لا أكثر، شعر بشيء أشبه بالحنق. لا بد أن يكون هو من يحدد متي يخلعه. قال: «هو مفيد في الوقت الحالي. سأخلعه في الوقت المناسب.»
بدا أنها اقتنعت بإجابته في الوقت الحالي، وربما كانت مخيلته هي التي صورت له ذلك الشك الذي رآه في عينيها.
ثم ابتسمت وقالت له: «هلا عمدت الطفل لأجلي؟ أرجوك افعل ذلك الآن، ونحن وحدنا. كان لوك سيرغب في ذلك. وأنا أرغب في ذلك.» «ماذا ستسمينه؟» «سمه تيمنا بوالده وتيمنا بك.» «سأجعلك مرتاحة أولا.»
Unknown page