ما ذكره الحاكم من رواية أكابر الصحابة ﵃ عن أبي هريرة ﵁ وأنه قد بلغ عدد من روى عنه من الصحابة ثمانية وعشرين رجلًا، وذكرت قبل ذلك قول البخاري أنه روى عنه نحو الثمانمائة من أهل العلم فليراجع (١) ما تقدم ذكره ففيه أبلغ رد على المؤلف وأبي رية وغيرهما من المتنطعين الذين يتكلمون في أبي هريرة ﵁ ويتنقصونه ويطعنون في روايته.
وأما قول بسر بن سعيد الذي رواه مسلم فإِنما رواه في كتاب التمييز وكان ينبغي لمن أورده أن ينبه على ذلك لئلا يتوهم أحد أنه في الصحيح، وإذا كان بعض المغفلين الذين ليسوا من أهل الحفظ والإِتقان والعناية بالعلم يحضرون مجلس أبي هريرة ﵁ فيقع منهم الغلط فيما سمعوه ولا يميزون بين ما رواه عن النبي ﷺ وما رواه عن غير النبي ﷺ فأي ذنب لأبي هريرة ﵁ في هذا حتى يجعل المؤلف وأبو رية ذلك من معائبه وإنما الذنب لغيره وقد قال الله تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى).
وأما قوله وقال يزيد بن هارون سمعت شعبة يقول أبو هريرة كان يدلس أي يروي ما سمعه من كعب وما سمعه من رسول الله ولا يميز بين هذا وهذا، ذكره ابن عساكر.
فجوابه أن يقال يبعد كل البعد أن يقول شعبة هذا القول الباطل في أبي هريرة ﵁، ولا يبعد أن يكون ذلك من أكاذيب أعداء السنة الذين يختلقون المعائب لأبي هريرة ﵁ ثم ينسبونها إلى بعض أكابر العلماء.
وقد قال العلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي في كتابه «الأنوار الكاشفة» هي حكاية شاذة لا أدري كيف سندها إلى يزيد ويقع في ظني إن كان السند صحيحًا أنه وقع فيه تحريف فقد يكون الأصل «أبو حرة» فتحرفت على بعضهم فقرأها «أبو هريرة» وأبو حرة معروف بالتدليس كما تراه في طبقات المدلسين لابن حجر ص ١٧ وقوله «أي يروي ...» أراه من قول ابن عساكر بناه على قصة بسر السابقة، فقوله لا يميز هذا من هذا» يعني لا يفصل بين قوله قال النبي ﷺ ...» وقوله زعم كعب .......» مثلًا بفصل طويل حتى يؤمن أو يقل الالتباس على ضعفاء الضبط، وتسمية هذا تدليسًا غريب فلذلك قال ابن كثير وحكاه
(١) ص: ٢٦٠ - ٢٦١ و٢٦٨.