وَلَوْلَا الْكَلَفُ بِهِ لَمَا ظَهَرَتِ الْعَدَالَةُ مِنْ أَكْثَرِ الْنَّاسِ، وَمَنْ لَا يَخُوْفُهُ الْهِجَاءُ وَلَا يَسُرُّهُ الْثَّنَاءُ؛ فَلَا يَرْدَعْهُ عَنْ سُوْءِ الْأَفْعَالِ إِلَّا نَارٌ أَوْ سَيْفٌ، وَقَدْ قِيْلَ: الَّذِيْ يَنْفُرُ عَنِ الْقَبِيْحِ وَيَحُثُّ عَلَى الْجَمِيْلِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: الْعَقْلُ، ثُمَّ الْحَيَاءُ، ثُمَّ الْمَدْحُ وَالْهِجَاءُ، ثُمَّ الْتَّرْغِيْبُ وَالْتَّرْهِيْبُ.
وَقَدْ قِيْلُ: مَنْ لَمْ يَرْدَعْهُ الْذَّمُّ عَنْ سَيِّئَةٍ، وَلَمْ يَسْتَدْعِهِ الْمَدْحُ إِلَى حَسَنَةٍ، فَهُوَ جَمَادٌ أَوْ بَهِيْمَةٌ؛ وَلِأَجْلِهِ تَنَازَعَ الْنَّاسُ الْرِّيَاسَةَ وَالْمَنَازِلَ الْرَّفِيْعَةَ.
وَلَيْسَ الْثَّنَاءُ فِيْ نَفْسِهِ بِمَحْمُوْدٍ وَلَا مَذْمُوْمٍ، وَإِنَّمَا يُحْمَدُ وَيُذَمُّ بِحَسَبِ الْمَقَاصِدِ، فَمَنْ قَصْدُهُ طَلَبَ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْثَّنَاءَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِيْ يُسْتَحَبُّ، فَذَلِكَ مَحْمُوْدٌ، وَهُوَ طَرِيْقَةُ إِبْرَاهِيْمَ الْخَلِيْلِ ﷺ حَيْثُ قَالَ: ﴿وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ﴾ (سورة الشعراء، آية ٨٤). أَيْ: اجْعَلْنِيْ بِحَيْثُ أَفْعَلُ مَا إِذَا مُدِحْتُ بِهِ يَكُوْنُ مَادِحِيْ صَادِقًَا، وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ نُدِبَ الْإِنْسَانُ إِذَا مُدِحَ أَنْ يَقُوْلَ: الْلَّهُمَّ اجْعَلْنِيْ خَيْرًَا مِمَّا يَظُنُّوْنَ.
وَالْمَذْمُوْمُ مِنْهُ: أَنَّهُ يَمِيْلُ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَجْرِبَةٍ لِفِعْلِ مَا يَقْتَضِيْهِ، وَذِلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْآفَاتِ لِمَنْ تَحَرَّاهُ؛ فَإِنَّهُ يَفْتَحُ بَابَ الْحَسَدِ، وَالْحَسَدُ يَفْتَحُ بَابَ
1 / 75