ولم يفطن الرجل لمرماه، وراح يستعطفه بتصنع البكاء قائلا بصوت كالخوار: أخفقت في كل شيء، حتى الشحاذة لم تجذب لي رحيما واحدا. كل الناس يقولون: أنت قوي ويجب أن تشتغل، هذا إذا لم يشتموني وينهروني، لا أدري لماذا؟!
فقال زيطة وهو يدلك رأسه: يا سلام، حتى هذا لا تدركه. - الله يخليك ويجبر بخاطرك.
وكان زيطة لا يكف عن فحصه متفكرا، فقال بحزم وهو يغمز أعضاءه: أنت قوي حقا، أعضاؤك سليمة، إني أعجب ماذا تأكل؟ - الخبز إذا وجد ولا شيء غيره. - هذا جسم شيطاني بلا ريب. ترى ماذا تكون لو أكلت كما تأكل حيوانات الله التي يؤثرها بخيره ونعمته؟!
فقال الرجل ببساطة: لا أدري. - طبعا طبعا .. أنت لا تدري شيئا، فهمنا هذا، وخير ما فعلت، فلو كنت تدري لانقلبت واحدا منا. اسمع يا هذا لا فائدة ترجى من تشويه أعضائك.
ولاح الانقباض في الوجه الثور، وأوشك أن يتباكى كرة أخرى، لولا أن بادره زيطة قائلا: عسير أن أكسر لك رجلا أو ذراعا، ومهما صنعت بك فلن تستثير عطف أحد. إن البغال أمثالك يثيرون الحنق أينما يحلون. ولكن لا تيأس (كان الدكتور بوشي ينتظر هذه العبارة بصبر نافد) فهناك طرق شتى، أعلمك فن العته مثلا، وأنت لا ينقصك منه شيء ذو بال، أجل العته، وأحفظك بعضا من مدائح الرسول.
فتهلل وجه الرجل ودعا له كثيرا، حتى قاطعه زيطة متسائلا: لماذا لم تشتغل قطاع طرق؟
فقال الرجل بانكسار: أنا رجل طيب مسكين، لا أقصد إنسانا بسوء، وأحب آل البيت.
فقال زيطة باحتقار: أتبدؤني أنا بهذه البوليتيكا؟
ثم التفت إلى الرجل الآخر، كان قصيرا هزيلا، فقال زيطة بارتياح: استعداد طيب.
فابتسمت أسارير الرجل وقال ممتنا شاكرا: الحمد لله كثيرا. - خلقت لتكون أعمى مقعدا.
Bog aan la aqoon