فهزت الست سنية رأسها في ارتياح وقالت: جلت حكمته! - نعم يا ست سنية، لذلك خلق الله الدنيا. كان في وسعه أن يملأها رجالا فحسب، أو نساء فحسب، ولكن خلق الله الذكر والأنثى، ومنحنا العقل كي نفهم مراده، فلا محيد عن الزواج.
فابتسمت الست سنية عفيفي وقالت برقة: كلامك كالسكر يا ست أم حميدة! - حلى الله دنياك، وآنس قلبك بالزواج الكامل.
فتشجعت الست وقالت: إن شاء الله، وبفضلك. - أنا امرأة - بحمد الله - مباركة. زيجاتي لا انفصام لها. ياما عمرت بيوتا، وأنجبت أطفالا، وأسعدت قلوبا. فليكن اعتمادك على الله وعلي. - جزاؤك لن يقدر بمال.
فقالت أم حميدة في سرها: «لا ... لا يا مرة، ينبغي أن يقدر بمال، وبمال كثير. هلمي إلى صندوق التوفير وأعطيني، وكفاك تقتيرا.» ثم قالت بلهجة رزينة شأن رجال الأعمال إذا فرغوا من المقدمات وطرقوا الهام من الأمور: أظنك تفضلين رجلا متقدما في السن؟!
لم تدر الأخرى بماذا تجيب؟! لم تكن تطمع في الزواج من شاب، ولا كان الشاب بالزوج الذي يناسبها، ولكنها لم ترتح إلى «متقدم في السن» هذه، وكان تدرج الحديث قد خلطها بأم حميدة فآنست إليها، واستطاعت أن تقول وهي تضحك لتداري ارتباكها: أصوم وأفطر على بصلة!
فضحكت أم حميدة ضحكة عالية رنت رنينا مزعجا، وازدادت اطمئنانا إلى نفاسة الصفقة التي هي بصدد عقدها، ثم قالت بخبث: صدقت يا ست، والحق أن التجارب دلتني على أن أسعد الزيجات ما كبرت الزوجة فيها الزوج، ولكم يناسبك رجل في الثلاثين أو يزيد قليلا.
فتساءلت المرأة في قلق: وهل يوافق؟ - يوافق ويوافق! أنت سيدة جميلة وغنية! - سلمت من كل سوء!
فقالت أم حميدة وقد لبس وجهها المجدور هيئة الجد والاهتمام: أقول له سيدة نصف، ولا ولد لها ولا حماة، أدب وكمال، صاحبة دكانين بالحمزاوي وبيت ذي طابقين بالمدق.
فابتسمت الست وقالت تصحح لها ما حسبته هفوة: بل ذلك ثلاثة طوابق.
ولكن الأخرى قالت معترضة: اثنان فحسب؛ لأن الطابق الثالث الذي أسكنه لن تقبضي إيجاره مدى حياتي!
Bog aan la aqoon