وهناك لون آخر مما لونوا به الحياة الاجتماعية، وهو ما عرف عنهم من جمال ونظافة فكان ذلك سببا في كثرة الجواري المماليك الأتراك في قصور الخلفاء والعظماء والأغنياء، حتى إن بعض الخلفاء أنفسهم في هذا العصر كانت أمه جارية تركية؛ فالمعتصم أمه تركية، والمتوكل كذلك أمه خوارزمية، والمكتفي بالله أمه تركية اسمها چيچك، والمقتدر بالله أمه أم ولد، قيل تركية، وقيل رومية ... إلخ.
كما اشتهر في بيوت الأمراء جوار تركيات، واشتهرت سمرقند بأنها مركز هام لتجارة الرقيق الأبيض، وقد وصف ابن بطلان في رسالته في الرقيق الجواري التركيات فقال: إن «التركيات قد جمعن الحسن والبياض، ووجوههن مائلة إلى الجهامة، وعيونهن مع صغرها ذات حلاوة، وقد يوجد فيهن السمراء الأسيلة، وقدودهن ما بين الربع والقصر، والطول فيهن قليل؛ ومليحتهن غاية، وقبيحتهن آية؛ وهن كنوز الأولاد، ومعادن النسل، قلما يتفق في أولادهن وحش ولا رديء التركيب، فيهن نظافة ولباقة ... لا يكاد يوجد فيهن نكهة متغيرة ... وفيهن أخلاق سمجة، وقلة وفاء».
وتغزل الشعراء في ذلك بغلمان من الأتراك، وكان منهم في القصور ودور العظماء كثيرون، فرووا أنه في وقعة بين عز الدولة وعضد الدولة البويهيين أسر غلام تركي لعز الدولة، فجن عليه واشتد حزنه وامتنع من الأكل، وأخذ في البكاء واحتجب عن الناس، وكتب إلى عضد الدولة يسأله أن يرد الغلام إليه، فصار ضحكة بين الناس، وعوتب فما ارعوى لذلك، وبذل في فداء الغلام جاريتين عوديتين كان قد بذل له في الواحدة مائة ألف، وقال للرسول: إن توقف عليك في رده، فزد ما رأيت ولا تفكر، فقد رضيت أن آخذه وأذهب إلى أقصى الأرض! فرده عضد الدولة عليه.
45
وروى أبو إسحاق الصابي أنه كان لمعز الدولة غلام تركي يدعى تكيز الجامدار، أمرد رومي الوجه، منهمك في الشرب لا يعرف الصحو ولا يفارق اللعب واللهو، ولفرط ميل معز الدولة إليه وشدة إعجابه به، جعله رئيس سرية جردها لحرب بني حمدان، وكان المهلبي يستظرفه ويستحسن صورته، ويرى أنه من عدد الهوى لا من عدد الوغى، فقال فيه:
ظبي يرق الماء في
وجناته ويروق عوده
ويكاد من شبه العذا
رى فيه أن تبدو نهوده
ناطوا بمعقد خصره
Bog aan la aqoon