Hogaamiyeyaal iyo Fannaaniin
زعماء وفنانون وأدباء
Noocyada
عرفت الكاريكاتير وأنا طفل صغير، عرفته في مجلة اللطائف المصورة، وكانت على ما أظن المجلة المصرية الوحيدة، التي تنشر الصور والرسوم الرمزية في ذلك الحين، وكانت تنشر فكاهات أيضا، وقد استطعت أن أفهم الصور، ولكني لم أستطع أن أفهم الرسوم، ولا أن أضحك من الفكاهات!
فهذه الرسوم أو الصور الكاريكاتيرية كانت شيئا بعيدا جدا عن فن الكاريكاتير، كانت أشبه بالوشم الذي يحفره الغجر في جباه الفلاحين وأذرعهم؛ ليجلب لهم الحظ وطول العمر، وهو يرمز إلى صور للحمام والعصافير والسمك، وقد رأيت إجراءات الوشم بعيني؛ كانت الغجرية ترسم الحمامة مثلا بالفحم فوق الصدغ أو الذراع، ثم تضع في النار مسمارا، وبعد أن يصبح المسمار قطعة من النار تغرزه في خطوط الحمامة التي رسمتها بالفحم، وتحفر الخطوط بالمسمار، ثم تغطي الحفر بسائل أخضر أو أزرق، أو سائل في لون الكوبيا!
كان كاريكاتير مجلة اللطائف المصورة مشوها مثل هذا الوشم، وكلما رأيته أحسست أن مسمار الغجرية المحمي في النار ينغرس في صدغي وذراعي!
وكانت المجلة تنشر صورها الكاريكاتيرية داخل إطار، وتضع في الإطار كلمات تشير إلى محتويات الصورة بالتفصيل، فتكتب في رسم الطربوش كلمة «طربوش»! وفي رسم الطرطور كلمة «طرطور»!
وتحت الإطار عبارات تشرح ما في الصورة من فن ونكتة، ولا فن في الصورة، ولا نكتة بطبيعة الحال ، وتستهل الشرح بكلمة اعتذار للشخص موضوع الكاريكاتير، وتؤكد أنها لا تقصد برسمه أن تهينه أو تحقره أو تثير حوله الغبار، وإنما هي مجرد دعابة بريئة!
كاريكاتور علمني!
وذات يوم وقع في يدي، لأول مرة، نسخة من مجلة الكشكول، وكان فيها صورة كاريكاتيرية على عرض صفحتين كاملتين، وكانت الصورة تمثل سعد زغلول زعيم الأمة ورئيس الوزارة، وحوله الوزراء في هيئة «زفة»، وقد ارتدى نسيم باشا السروال الإسكندراني وأخذ يرقص البلدي هو والوزراء جميعا، يتقدمهم سعد زغلول، وفي يد كل منهم آلة من آلات الموسيقى؛ فهذا يحمل الرق، وهذا يحمل النقرزان، وهذا يحمل العود، وهذا يرفع بفمه دكة في الهواء، وهذا يضع على صدره القانون أو البيانو، وهذا يتمنطق بطبلة كبيرة، وهذا ينفخ في مزماره، وهي صورة ناطقة معبرة تكاد تسمع فيها رنين الآلات، وصوت المزمار، ودق الطبول!
وكان الزعماء والحكام في نظر الناس آلهة مرهوبة، كنا نتصورهم في قمم لا تصل إليها أنفاس العباد، إلا بالهتاف والدعاء والتسبيح، ولا تصغي إليها آذان البشر إلا لتتلقى الأوامر والنواهي.
وكانت صورهم تبعث الخشية والفزع، وكانت مواكبهم تثير الخوف والتوقير.
وقد علمني هذا الكاريكاتير أن الزعماء والحكام ناس عاديون، يجوز عليهم ما يجوز على سائر الناس من نقد وتهكم وسخرية، وأنهم لا يثيرون الحب والكراهية ليس إلا، وإنما هم أيضا يثيرون الابتسام والضحك والقهقهة!
Bog aan la aqoon