قيل : عفوت لفلان عما جنى ، كما تقول : غفرت له ذنبه وتجاوزت له عنه. وعلى هذا ما في الآية ، كأنه قيل : فمن عفي له عن جنايته من جهة أخيه ، يعني : ولي الدم ، فاستغنى عن ذكر الجناية.
وأخوه هو ولي المقتول. وذكر بلفظ الأخوة ليعطف أحدهما على صاحبه بذكر ما هو ثابت بينهما من أخوة الإسلام.
( فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ) أي : فليكن ، أوفا لأمر ، أو فعلى العافي اتباع. وهذه توصية للعافي والمعفو عنه جميعا ، أي : فليتبع الولي القاتل بالمعروف ، بأن لا يشدد في الطلب ، أو لا يطالبه إلا مطالبة جميلة ، وينظره إن كان معسرا ، ولا يطالب بالزيادة على حقه ، وليؤد إليه المعفو له بدل الدم أداء بإحسان ، بأن لا يمطله.
( ذلك ) أي : الحكم المذكور في العفو والدية ، أو النهي عن تجاوز ما شرع له من قتل غير القاتل ( تخفيف من ربكم ورحمة ) لما فيه من التسهيل والتفع. قيل : كتب على اليهود القصاص وحده ، وعلى النصارى العفو ، وخيرت هذه الأمة بينهما وبين الدية ، تيسيرا عليهم ، وتقديرا للحكم على حسب مراتبهم ، فالأفضل أن يختار العفو ، والأوسط الدية ، ثم يختار القصاص.
( فمن اعتدى بعد ذلك ) بأن قتل بعد قبول الدية أو العفو ، أو تجاوز ما شرع له من قتل غير القاتل ( فله عذاب أليم ) أي : نوع من العذاب شديد الألم في الآخرة. وقيل : في الدنيا ، بأن يقتل لا محالة ، لقوله صلى الله عليه وآلهوسلم «لا أعافي أحدا قتل بعد أخذه الدية».
ثم بين سبحانه وجه الحكمة في إيجاب القصاص ، فقال : ( ولكم في القصاص حياة ) وفيه فصاحة عجيبة ، وبلاغة بليغة ، من أن القصاص قتل وتفويت للحياة ، وقد جعل ظرفا للحياة ، من قبيل جعل الشيء محل ضده. وفي تعريف القصاص وتنكير الحياة معنى : أن لكم في هذا الجنس من الحكم الذي هو القصاص
Bogga 293