لم يتخيل ثلث عقله أن طفلة مثلها تملك هذه القدرة، أن يكون لعضلات جسدها هذه القوة في تجاربه السابقة. كانت الواحدة منهن تستسلم في النهاية، وإن قاومت وتمنعت وصارعت، وإن كانت شابة قوية العضلات، فهي في نهاية الأمر تكف عن المقاومة. ترقد تحته بلا حول ولا قوة، قد تبكي طالبة منه الرحمة، تتوسل إليه أن يعتقها لوجه الله. لا تزيده دموعها إلا رغبة فيها، لا تفعل توسلاتها شيئا إلا إشعاله بحمى الاغتصاب. في أعماقه طفل في المدرسة تم اغتصابه، ارتبطت لذة الجنس في عقله وجسده بالاغتصاب، بالانتقام من المدرس الأول الذي هتك عذريته، من أبيه الذي كان يلسعه بالعصا الخيزران، من حرس الجامعة جروا وراءه في المظاهرات، يضربونه بالهراوات. أصبح يتغنى مثل زملائه بعبارة: «ضرب الحبيب مثل أكل الزبيب.» يردد مع الراديو أغاني الحب واللوعة والنواح والصد والهجران، ارتبط الحب في جسده وعقله بالألم، تلاحمت الرغبة في الجنس بالعنف والقسوة. كلما زادت قسوة المرأة عليه زاد حبه لها، لا يحب من النساء إلا من تهجره وتؤلمه، تصارعه وتضربه وتوجعه، حتى يئن أنينا بين يديها كالطفل بين يدي أمه أو أبيه القاسي، أو العبد بين يدي الله الأكبر الجبار.
في صراعه الطويل معها تصور أنها في النهاية سوف تلين، سوف تغلبها الأنوثة وتسلبها الإرادة. لم يدرك زكريا الخرتيتي إلا نوعا واحدا من الأنوثة، أنوثة تربت منذ الطفولة على الخنوع، وإن قاومت أو تمنعت فليس ذلك إلا جزءا من اللعبة؛ دموعها جزء من اللعبة، قسوتها أيضا جزء من اللعبة، وإن هجرته أو ضربته بحزامه الجلدي حتي يئن ويتوجع، فليس ذلك إلا جزءا من اللعبة، مثل لعب الأطفال في البيوت.
لكن زينة بنت زينات لم يكن لها بيت ولا لعب أطفال. نشأت في الشارع على جانب الطريق مثل أشجار التين الشوكي، إن أمسكتها يد دون إرادتها غرزت فيها أشواكها حتى تنزف منها الدماء. أسنانها أيضا كانت قوية صلبة كالمسامير، غرزتها في لحم كتفه، في عنقه، في بطنه، أسفل بطنه، في رأس القضيب ذاته، قضمت بأسنانها قطعة منه، سال الدم غزيرا فوق السجادة العجمية المزركشة في غرفة المكتب.
غاب زكريا الخرتيتي عن الوعي بضع لحظات، رقد فوق الأرض يئن بصوت مكتوم. تحول الأنين بعد لحظات إلى ما يشبه الشخير.
مدت زينة بنت زينات ذراعها الطويلة نحوه، وهو راقد فوق بطنه، سحبت من جيبه المفتاح بأصابعها الرفيعة المدببة، سارت على رءوس أصابعها إلى الباب، أدارت المفتاح في الشق الصغير دورتين، تسللت خارج الباب دون صوت، أغلقت الباب وراءها بالمفتاح. أصبح زكريا الخرتيتي حبيس غرفة مكتبه حتى عادت زوجته إلى البيت آخر النهار.
رقد زكريا الخرتيتي في السرير ثلاثة أيام، عالج جروحه بالقطن وصبغة اليود. في اليوم الرابع عادت إليه رغبته في الجنس، كانت تعاوده من حين إلى حين، يمد ذراعه في الليل عبر السرير العريض، تلامس يده ظهر زوجته بدور غارقة في النوم، شخيرها خافت مكتوم، تكتم صوت شخيرها وهي غائبة عن الوعي؛ تخشى أن يسمعه زوجها. بنات العائلات لا يشخرن في النوم، ذوات الأنوثة الكاملة أنفاسهن رقيقة ليس لها صوت.
يهزها من كتفها بحركة رقيقة: بدور يا حبيبتي، صاحية والا نايمة؟ - نايمة يا زكريا. - وبتكلمي وانتي نايمة يا بدور؟ - أيوه يا زكريا.
لا تفتح بدور جفونها، تعرفه من صوته حين يرق، حين يريد أن يفرغ غدة الشيطان في جوفها، في الوعاء الذي امتلكه بورقة الزواج، يظن أنها جاهزة له حين يريد. وإن كانت في عز النوم يوقظها، يداعبها قليلا بإصبعه، في بطن قدمها اليسرى. تدرب عبر السنين على اكتشاف مواقع الألم واللذة، مراكز النشوة والحب، يدلك بإصبعه ذكريات الطفولة، يوقظ شهوتها في النوم أو في الموت، يشدها من شعرها لتصحو، يضربها برقة فوق خدها. إن أغضبه برودها يصفعها على وجهها، أو يلسعها بحزامه الجلدي فوق بطنها وفخذيها.
لم تكن ترد له الضربة بضربة مماثلة. كان يحلم أحيانا أنها صفعته على وجهه، أمسكت الحزام الجلدي وراحت تضربه حتى يتسلخ جلده، حتى توقظ الشهوة الدفينة في أحشائه منذ الطفولة. لا يحدث ذلك إلا في الحلم، لا يملك الشجاعة أن يقول لها: اضربيني يا حبيبتي اضربيني، انزعي عني قشرتي وخذيني.
ماذا يمكن أن تقول عنه؟ رجل بلا رجولة؟ ذكر بلا ذكورة يشتهي الضرب مثل النسوان؟
Bog aan la aqoon