5. طبيعة مقاومة المجتمع للتغيير في قيمه وثقافاته المتأصلة. أمام هذه العوائق للمراجعة والتغيير ثم إعادة الصياغة، فإن أحسن ما يمكن الحصول عليه إن لم يتم تغييرا جوهريا هو أن يعيش الناس نوعا من الانفصام حيث يعتقدون رؤية كونية رجعية كنظام اعتقاد، وفي الوقت نفسه تبني مفاهيم ثقافية تقدمية باعتبارها ضرورة معيشية. ولأن مثل هذه الحالة التوافقية غير ممكنة البقاء والاستمرار عمليا، فإن الخيارات الحقيقية هي:
1. أن تفقد الرؤية الكونية الدينية السائدة اتصالها بالحياة، وتفقد قيمتها التفسيرية والتوجيهية للمجتمع والفرد، وتتحول إلى عقيدة صماء معزولة تماما مما حولها من قضايا الناس.
2. أن يكون هناك صراع متواصل بين العناصر التقدمية الثقافية التي تتطلبها الحياة منا، وبين العناصر الرجعية التي تفرضها الرؤية الكونية علينا. إذا تجاوزنا تلك العقبات فإنه يمكن آنذاك أن ننقذ الرؤية الكونية بأن نعيد لها دورها ونفوذها الذي يمكن أن تحرك به الجبال، وذلك بأن نعيد الانسجام بينها وبين متطلبات الحياة وخصوصا في هذه الأوقات الحرجة. وأود هنا أن أشير إلى التجربة المسيحية في الغرب. إن ما حصل للنصرانية هو الأمر الأول. ونحن لن يصيبنا إلا ما أصاب غيرنا إذا ما توافقت الأسباب. إن النصرانية لما لم يمكنها أن تقدم رؤية عملية للحياة، تحولت لدى المتدينين من الغربيين إلى نظام اعتقاد لا علاقة له بالحياة مطلقا، ولا محل له خارج الكنيسة، والجمعيات الخيرية الدينية، والمعاهد الثيولوجية العقائدية. وأما الحياة، فمقامة ومؤسسة على مفاهيم وأفكار تتناقض في أغلب أحوالها مع المفاهيم والأفكار النصرانية. وأرى أننا ما دمنا لم نزل ما شاب ثقافتنا الإسلامية فإننا سنتجه بهذا الاتجاه بشكل لا مناص عنه.
Bogga 29