كما أن إعطاء الأولوية للقضايا الدينية لا يعني تجاهل أهمية وتأثير التشريعات والقوانين. فلا شك أنها معيقة إذا لم تواكب حاجات الناس، ولكنها دوما كانت الإطار الذي تتحرك ضمنه وخلاله الأمم، وليست الباعثة إليه. بالتالي فإن غاية ما يقوم به التشريع المتخلف هو إعاقة الحركة، ولكنه لا يمنع منها، كما أنه لا يدفع إليها. توجيه الاهتمام يجب أن يأتي أولا إلى خلق الحركة، وحينها سنجد أن التشريعات تتطور تلقائيا وفق الشروط الموضوعية القائمة. وتجربة الأمم من حولنا تدلنا على أن التشريعات مهما تخلفت، لم تكن سببا في منع التقدم، وإنما عرقلته أحيانا. إن أول وأهم خطوة في التغيير لا بد من أن تبدأ بمراجعة الرؤية الكونية السائدة، وتقييم تماسكها وشمولها وقدرتها على توفير فهم واضح وسليم للحياة، ثم مراجعة آثارها الثقافية المباشرة، ثم العمل على صياغة رؤية مؤسسة على أصولنا الدينية والتاريخية، يتحقق من ورائها هدفان معا: أولهما: توفر الهوية اللازمة لتأسيس استقلال نفسي عن التبعية الغربية وإنجاز تكليفنا أمام الله تعالى. ثانيهما: إنشاء رؤية قادرة على أن تحرك المجتمعات الإسلامية نحو التقدم بنفس القدر من القوة التي أمكن للتغير الفكري الغربي أن يغير من مساره التاريخي.
ما أقوله هنا مبني على افتراضات:
1. أن رؤيتنا للعالم تتطلب مراجعة شاملة ودقيقة، لأنها تؤسس لمفاهيم ثقافية معيقة للحركة الإيجابية للمجتمع.
2. كما أفترض أنه يمكن لرؤية أخرى للعالم غير الرؤية الغربية أن توفر لنا الشرط اللازم للتقدم النوعي.
3. كما أرى أنه ما لم نعمل على هذا الأمر، فإن أملنا في التقدم ضعيف للغاية.
أمام ضرورة المراجعة وإعادة الصياغة هناك عقبات:
1. الاعتماد غير المتحفظ على الغير في التفكير الديني، بمعنى آخر التقليد، وتقديس العلماء وآرائهم، وخصوصا من مضى منهم.
Bogga 27