شموسُ الصِّبا والأنسِ محفوظةُ الحشا ... قتولُ الهَوَى لو كانتِ الدَّارُ تسعفُ
كأنَّ ثناياها العذابَ وريقهَا ... ونشوةَ فيها خالطتْهنَّ قرْقفُ
تهيمُ جليدَ القومِ حتَّى كأنّهُ ... دوًى يئستْ منهُ العوائدُ مدنفُ
وقالت لنا والعيسُ صعْرٌ من البُرى ... وأخفافها بالجندلِ الصُّمِّ تقذفُ
حُمدتَ لنا حتَّى تمنَّاكَ بعضُنا ... وأنتَ امرؤٌ يعروكَ حمدٌ وتُعرفُ
وفيكَ إذا لاقيتنا عجرفيَّةٌ ... مرارًا ولا نسْتيعُ من يتعجرفُ
تميلُ بكَ الدنيا ويغلبكَ الهوى ... كما مالَ خوَّارُ القنا المتقصِّفُِ
فموعدكَ الشَّطُّ الذي بينَ أهلنا ... وأهلك حتَّى تسمع الديك يهتفُ
وتكفيكَ آثار لنا حين نلتقي ... ذيولٌ نُعفِّيها بهنَّ ومطرفُ
ومسحبُ ريطٍ فوقَ ذاكَ ويُمنةٍ ... تسوقُ الحصا منها حواشي رفرفُ
فتُصبحُ لم يُشعرْ بنا غير أنَّنا ... على كلِّ ظنٍّ يحلفونَ وتحلفُ
فبتنا قعودًا والقلوبُ كأنَّها ... قطا شُرَّع إلا شراكِ مما تخوَّفُ
ولمَّا رأينَ الصُّبحَ بادرنَ ضوءهُ ... دبيبَ قطا البطحاءِ أو هنَّ أقطفُ
وأدركنَ أعجازًا من اللَّيلِ بعدما ... أقامَ الصَّلاةِ العابدُ المتحنِّفُ
وما أُبنَ حتَّى قلنَ يا ليتَ أنَّنا ... ترابٌ وليتَ الأرضَ بالناسِ تخسفُ
فإن ننجُ من هذي ولم يشعروا بنا ... فقد كانَ بعضُ الخيرِ يدنو فيُصرفُ
وقال عبد بني الحسحاس:
كأنّ الثُّريَّا علِّقتْ فوقَ نحرها ... وجمرَ الغضا هبَّت لهُ الرِّيحُ ذاكيا
وجيدٍ كجيدِ الرِّيم ليسَ بعاطلٍ ... من الدُّرِّ والياقوتِ والشَّذرِ حاليا
فأقبلن يحفظن الجنان كأنَّما ... قتلن قتيلًا أوْ أتينَ الدَّواهيا
وأصبحنَ صرعى في البيوتِ كأنَّما ... شربنَ مُدامًا ما يُجبنَ المناديا
وقال الحسين بن مطير:
أينَ إخواننا علَى الأحساءِ ... أين جيرانُنا علَى الدَّهناءِ
فارقونا والأرضُ مُلبسَةٌ نَوْ ... رَ الأقاحي تُجادُ بالأنْواءِ
كلّ يومٍ عن أقحوانٍ جديدٍ ... تضحك الأرضُ من بكاءِ السَّماءِ
وقال البحتري:
يا مَن رأى البركة الحسناءَ رؤيتَها ... والآنساتِ إذا لاحتْ مَغانيها
كأنَّما الفضَّةُ البيضاءُ سائلةً ... من السَّبائك تجري في مَجاريها
فحاجب الشَّمس أحيانًا يُضاحكها ... ورَيِّقُ الغيثِ أحيانًا يُباكيها
إذا النجومُ تراءَتْ في جوانبها ... ليلًا حسِبتَ سماءً رُكِّبتْ فيها
كأنَّها حين لجَّتْ في تدفُّقها ... يدُ الخليفةِ لما سالَ واديها
الباب السابع والتسعون
ذكر
ما لا يصلح أن يعرى منه الكتاب ولا يحتمل
الشعبي قال: أرسل مروان إلى أيمن بن خريم ألا تُعيننا على ما نحن فيه؟ قال: إن أبي وعمي شهدا بدرًا وإنهما عهدا إليَّ أن لا أُقاتل أحدًا شهد أن لا إله إلاَّ الله وأن محمدًا رسول الله، فإن أنت حبيتني ببراءة من النَّار قاتلت معك. قال: لا حاجة لنا في معونتك فخرج وهو يقول:
فلستُ بقاتلٍ رجُلَّ يصلِّي ... علَى سُلطان آخرَ من قريش
لهُ سُلطانه وعليَّ إثمي ... معاذ الله من سفهٍ ومن طيش
محمد بن إسحاق عن من حدَّثه قال: كان أبو عزَّة عمرو بن عبد الله الجمحي أُسر يوم بدر فقال للنبيّ ﷺ: يا محمد إنَّه ذو بنات وحاجة وليس بمكة أحد يعرفني وقد عرفت حاجتي فحقن رسول الله ﷺ دمه فأعتقه وخلَّى سبيله، وعاهده أن لا يعين عليه بيد ولا لسان، فامتدح نبي الله ﷺ حين عفا عنه فقال:
ألا أبلغا عنِّي الرَّسول محمَّدًا ... بأنَّك حقّ والحليم رشيدُ
فإنَّ الَّذي حاربته لمحارَبٌ ... وإنَّ الَّذي سالمته لسعيدُ
قال ابن المبارك ورادني غيره:
ولم أنسَ منك العفو يوم أسرتني ... ولكن حتَّى ما يبين شديد
وبلغني أن راكبًا من البصرة مرَّ بجرير فقال له جرير: ما وراءك؟ قال: ورائي موت الفرزدق. وكان كل واحدٍ من جرير والفرزدق قد جعل على نفسه أن يهجو صاحبه إن مات قبله فقال جرير:
1 / 238