الحديث تأديب الطالب المتعلم وتنبيهه على أنه لا يأنف مكن أخذ الحكمة حيثما وجدها، وإنّه يقبلها من كل من سمعها منه شريفا كان أو مشروفا عالما أو جاهلا برا أو فاجرا؛ ولا يستكبر عن أحد أن يتعلم منه كان فوقه أو دونه. فان طالب الضالة إذا وجدها فهو لا محالة يأخذها ولا يلتفت إلى خسة الآتي بها ولا شرفه، وأو ترك ضالته ومطلوبه الذي كان ينشده لخسة من جاء بها كان أحمق. وقد روي أن الحجاج خطب فقال: إنّ الله تعالى أمرنا بطلب الآخرة وكفانا مؤونة الدنيا، فليته كفانا مؤونة الآخرة وأمرنا بطلب الدنيا! فقال الحسن: ضالة مؤمن عند فاسق فلنأخذها. وخطب خازم بن خزيمة فقال: إنّ يوما أسكر الكبار، وشيب الصغار، ليوم عسير، شره مستطير. فقال سفيان الثوري: حكمة من جوف خرب، ثم أخرج ألواحا فكتبها. ولهذا ورد: أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه. وروي أن رجلا في بني إسرائيل حكيما ألف ثلاثمائة كتاب في الحكمة واشتهر فرأى إنّ له عند الله منزلة، فأوحى الله إلى نبي ذلك الوقت أن قل لفلان: ملأت الدنيا نفاقا. القسم الثاني في الحكم الفعلية بناء على إطلاق الحكمة عليه كما مر، وهي على تفصيل: فما كان منها خدمة لله تعالى وقيامها بوظائف تكاليفه كله من فعل الواجبات وأنواع القربات، فهو كله محمود. وهذا النوع إنّما يعد حكمة بحسب ما انضم من افهم في كتاب الله تعالى كما مر، فهو جزء منها. وما يرجع إلى إتقان الصنائع العجيبة والحرف المهمة، فهذا كله محمود عادة، وأما شرعا فإنما يحمد إذا كان مقربا إلى الله تعالى مباشرة أو بواسطة أو وسائط، على حكم التفصيل في سائر المباحات. ووراء هذين القسمين قسمان آخران:
أحدهما تدبير الذهب والفضة ومعالجة تبديل الأشياء وصناعة الاكسير، وهذا النوع هو المعروف عند كثير من الأوائل بالحكمة، وهو محمود عندهم غاية ومن اجل علومهم، وإطلاق الحكمة عليه من حيث الإصابة والإتقان مع الغرابة واللطافة. وللمتكلمين في ذلك كلام وبحث في إنّ ذلك ممكن أمثال لا، وفي إنّه يعد إمكانه واقع أمثال لا. فهي أربعة مباحث قررت في محلها وليس من غرضنا التعرض لها، غير أنا نقول جريا على ما نحن بصدده:
1 / 41