ورد ولا صدر، فان الحكمة مرجعها الإصابة كما ذكرنا قبل. ومن هذا النمط ما دونه حكماء الفلاسفة في العلم الإلهي من فنون الفلسفة من الهوس والأباطيل، والاعتقادات الزائغة والحجج الواهية، وكذا ما لنظرائهم من الطبيعيين وأشباههم من قرف المعتزلة وطوائف المبتدعة الضالين المضلين. وقد كان للفلاسفة في غير الإلهيات حكم تقتبس سراجا منيرا. وتورد زلالًا نميرا، فلما خاضوا في العلم الإلهي لم يهتدوا غالبا إلى الحق فيه، ولم يؤذن لهم في الدخول إلى ذلك الجناب النزيه. ومن يضلل الله فما له من هاد. ثم إنّ هذه الحكم القولية، وإن قلنا إنّها محمودة، فهي تختلف شرفا وفضلا بحسب جلالتها وما دلت عليه درجات كثيرة لا تكاد تنحصر. هذا بحسب ذاتها، وأما قائلها الذي صدرت منه فغير واجب أن يكون محمودا دائما ولا أن يعد حكيما، بل قد يكون محمودا، وذلك إذا علم ما يقول وعمل به وتخلف به ولم يكذب فعله وخلقه قوله، وقد يكون مذموما، وذلك إذا كان بخلاف ذلك بحيث يكون من علماء اللسان الثرثارين المتفيهقين، حتى إنّ المتكلمين بالحكم الشرعية من علماء الظاهر الذين تخالف أفعالهم أخلاقهم أقوالهم، ونحوهم من الوعاظ والقصاص في غاية الذم. ومن ثم قيل في ما مر: الحكمة هي الفهم في القرآن والعمل به والإتباع له. وقد تصدر الحكمة ممن هو عن مقتضاها خال وعن فضلها بمعزل. ولذلك قال النبي ﷺ: الحكمة ضالة المؤمن. كما مر. وقال أيضًا ﷺ: العلم ضالة المؤمن حيث وجده أخذه وقال: خذ الحكمة ممن سمعتموها، فانه قد يقول الحكمة غير الحكيم، وتكون الرمية من غير الرامي. فأشار ﷺ بذلك إلى أنه ينبغي للعاقل أن لا يبرح متتبعا للحكمة طالبا لها، كما يطلب الرجل ضالته وينشدها؛ فان الحكمة هي ضالة العاقل لأنها غذاء عقله، فهي أكبر الحاجات وأعظم المطلوبات. وفي
1 / 40