رجعت إلى ذلك الفصل فوجدت كاتبه يقول: «إن الاشتراكية وجدت أكبر دعاتها في كارل ماركس، الفيلسوف اليهودي الألماني الذي قدر لمذهبه أن يطبق بنجاح في روسيا الحديثة، ليصبح أقوى ما أنتجه الفكر السياسي تأثيرا في السياسة العالمية المعاصرة.»
ثم يقول: «إن ماركس كان متأثرا بفيلسوف مادي من تلاميذ هجل، هو فورباخ الذي رفض فلسفة أستاذه الروحية واعتنق الفلسفة المادية، وكانت هذه منتشرة في ألمانيا إذ ذاك بفضل تقدم العلوم الطبيعية الباهر.»
ثم يقول: «استعار ماركس المنطق الجدلي وهذبه، وتأثر بما ذهب إليه هجل من وجوب التفرقة في تفسير التاريخ بين الحقائق العميقة الهامة مثل رغبات الأمة وآمالها، وبين الظواهر السطحية التافهة كالشخصيات التاريخية.»
ولم ينس الأستاذ أن يضيف إلى ما تقدم «أن نجاح النظام الاشتراكي في روسيا يرجع إلى لنين ومواهبه الفلسفية العملية وأسلوبه الصلب المرن في آن واحد، وقد اضطر لأن يجاري الظروف الواقعية ويحيد أحيانا عن التفصيلات الماركسية.»
ثم يختم الفصل بكلمة عن نبوءات كارل ماركس يقول فيها: «إن كثيرا منها لم يتحقق، وإن علة ذلك أن الرأسماليين يتبعون هم أيضا منهجه الجدلي، فيزيلون أو يخففون في نظامهم العوامل التي تدعو إلى تذمر العمال أو إلى انهيار الرأسمالية.»
والخطأ في هذا كله كثير، وفيه مصداق لما يعتقده من خوض الأكثرين عندنا في هذه المذاهب على غير معرفة واستيعاب، معتمدين على الملخصات أو القشور التي لا يفهم منها مذهب قط على وجه مفيد، ولو كان كاتب هذا الفصل على علم بما يكتبه، لما قال في مقدمته عن «إنجلز» شريك ماركس إنه «أحد رجال الأعمال الإنجليز»، وهو ألماني صميم أعرق في الألمانية من كارل ماركس الذي ينتمي إلى بني إسرائيل.
فمن الخطأ أن يقال: إن مذهب كارل ماركس طبق بنجاح في روسيا، وإنما يطبق في روسيا نظام لا فرق بينه وبين النظام النازي الذي كان يطبق في البلاد الألمانية، فالطبقة الحاكمة التي ينتمي إليها لنين وستالين ومالنكوف كالطبقة الحاكمة التي ينتمي إليها هتلر وجوبلز وريبنتروب، وتجنيد العمال هو تجنيد العمال، وإشراف الدولة هنا هو إشراف الدولة هناك، وليس في جوهر الأمور فرق واحد بين النظامين في غير الكلمات الجوفاء، وقد تقاربت هذه الكلمات الجوفاء حين أصبحت العصبية السلافية دينا للأمة الروسية، تنتحل باسمه المفاخر لعظماء الروس وعلمائهم دون سائر العظماء والعلماء، وتدخل الحرب فتسميها الحرب القومية أو الوطنية، وتنسى القول بتفاهة الشخصيات التاريخية، فتبني لزعيمها ضريحا لم يبنه القياصرة للأسلاف «المقدسين».
ومن الخطأ أن يقال: إن المذهب المادي ينتشر «بفضل تقدم العلوم الطبيعية الباهر»؛ فإن تقدم العلوم قبل عصر كارل ماركس لا يذكر بالقياس إلى تقدمها في عصر بلانك وهيزنبرج وأدنجتون وجينز وأوليفر لودج، ومنهم مع ذلك من تلهمه تلك العلوم أن الكون كله «فكرة رياضية»، وأن المادة لم يبق منها إلا الحسبة التي تقاس بالرياضيات.
وقد وجدت المذاهب المادية قبل ألفي سنة، حيث لا علوم طبيعية ولا علوم صناعية، بل وجدت في الهند التي تسمى مهد الفلسفة الروحانية، ونشأت مدرسة كارفاكا
Carvaka
Bog aan la aqoon