أما الأصل الأول: فالذي يدل عليه أنه متحيز لذاته وخروج الموصوف عن صفة ذاته لا يجوز إما أنه متحيز لذاته فلأنه لا يخلو إما أن يكون متحيزا لذاته [92ب] أو لغيرها، والغير لا يخلو إما أن يكون فاعلا أو علة، والعلة لا تخلو إما أن تكون معدومه أو موجوده، والموجوده لا تخلو إما أن تكون قديمة أو محدثة، والأقسام كلها باطلة سواء أنه متحيز لذاته.
أما أنه لا يجوز أن يكون متحيز بالفاعل فلوجهين:
أحدهما: أن الفاعل يفعل على سبيل الصحة والإختبار فكان يصح منه أن يجعل ما ليس بمتحيز متحيزا وما هو متحيز فيجعل بعض الأجسام متحيزا وبعضها غير متحيز وهذا محال.
الوجه الثاني: أنه لو كان متحيز بالفاعل يحصل منه غرضا وهو القول بحدوثه ولبطل مذهبهم وهو القول بقدمه؛ لأن القادر لا يقدر على أن يجعل الذات على صفة إلا بأن يكون قادر على اتخاذ تلك الذات فلا يجعله متحيزا إلا بأن توجد على صفة التحييز وفي ذلك حدوثه، ولا يجوز أن يكون متحيز لعلة قديمة أو لعلة معدومة إذ لو كان كذلك يحصل منه ما قلنا من أنه لا يوجد إلا وهو متحيز ولبطل ماقالوه؛ لأن العلة المعدومة والعلة القديمة بيان فيما لم يزل وكان لا يوجد إلا وهو متحيز وذلك غرضنا، ولا يجوز أن يكون متحيزا لعلة محدثة؛ لأنها لا توجب له إلا بأن يختص به ولا يختص به حتى يخله، ولا يخله حتى يكون متحيزا، ولا يكون متحيزا حتى يختص به، ويوجب له التحييز فيؤدي إلى التوقف وإلا يكون متحيزا، فإن قيل إنها تختص به وإن لم يخله؛ لأنه غير متحيز، قيل: إنما لها فيختص به بأن توجد على حد وجوده بأن يكونا في محل واحد أو لا في محل، وهذا أحد الإختصاصات.
Bogga 185