289

قد كان السلطان يمين الدولة وأمين الملة بعد أن فتح الفتحين، واقتدح النجحين، عرج على «2» غزنة للاستراحة، والتفرغ لشكر الله على النعم المتاحة «3»، وأقام بها شاحذا عزيمته لغزوة أخرى ترتفع «4» بها حدود الإسلام، وتتعفر لها «5» خدود الأصنام، وتنتكس عندها رايات «6» الشيطان، في رحل للغواية شده، وحبل للضلالة مده، إذ كان بعد همته يسومه خلاف [162 ب] الطبائع البشرية في استخشان المضجع الوثير، واستحباب الشوك على الوتير «7»، واختيار قرع الأسنة والعوالي على نقر المثالث والمثاني «8»، وترجيح حدود البيض القواضب على خدود البيض الكواعب. كل ذلك لمجد يبتنيه «9»، وصيت يقتنيه، وعز يحويه، وسعي يتقرب إلى الله به وفيه، حتى إذا انسلخ شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة «10»، استخار الله في إتمام ما رامه، وإسراج ما تولى إلجامه، وسار متوكلا على الله الذي طالما أطعمه نصره، [وعرفه صنعه] «11»، حتى إذا انتهى السير به إلى شط «12» ويهند، لاقاه ابرهمن بال بن أندپال في جيوش تجيش بسود الرجال، في بيض الصفاح وزرق الرماح، وزهر الدروع، ودكن الفيول. وافترت الحرب عن أنيابها العصل، وتوالت الحملات كما تتهاوى لوامع الشهب، وتترامى نوازع «1» السحب.

ودارت رحى الطعان والضراب، طاحنة كل ندب شجاع، وقرم مطاع. وامتدت الوقعة من طفولة النهار إلى كهولة الطفل «2»، حتى اكتست الأرض لون «3» الشقائق من دماء الطلى والعواتق. وكادت تدور للكفار دائرة لو لا أن الله أعان السلطان على حملة في خواص غلمانه، كسعت [163 أ] أدبارهم، ومحت عن مقاماتهم «4» آثارهم، وأغنمه «5» ثلاثين فيلا كأشخاص القصور، بل كأمواج البحور. وأقبل أولياؤه يحسونهم «6» أنى يثقفونهم من بطون الأودية والشعاب، وظهور الفيافي والهضاب، واقتفى السلطان بنفسه أثره بين تلك المهارب متنجزا «7» وعد الله في نصرة دينه، وتل «8» كل ذي نفاق وشقاق لجبينه، فأفضى به الطلب إلى بهيم نغر «9» أحصن قلعة بنيت على حرف طود رفيع، خلال ماء منيع.

Bogga 299