وقد كان أبو علي رتب جيوشه أسوة الأمير سبكتكين، فجعل فائقا في الميمنة، وأخاه أبا القاسم بن سيمجور وإيلمنكو في الميسرة، وثبت في القلب مع حماته وذوي الوفاء [58 أ] والحفيظة من ثقاته، فكانوا على الحقيقة جيش الطواويس من وميض الحديد، ولمعان «4» الحمر والبيض «5». وأشرقت عليهم الشمس فبرقت «6» لها الأحداق «7»، وتلألأت الآفاق، حتى إذا تدانت الخطى بين الفريقين بدأت الفائقية «8» بالحملة على [ميسرة الرضا، فبددوا نظامهم، وزعزعوا عن المقام أقدامهم، وثنى أبو القاسم بن سيمجور بمثلها على] «9» من قابله فصنع «10» صنع الآخرين. وحمل دارا بن شمس المعالي قابوس بن وشمكير من قلب أبي علي، فظنوه يسعى لشرف المقام، ورعاية حق الذمام «1» والإنعام، حتى إذا بلغ بين الصفين وقى ظهره بترسه، وأقبل على موقف الأمير الرضا بوجهه، فاستأمن إليه، ووقف للقتال بين يديه. فانخذل أصحاب أبي علي لما أخفره من الذمة، وقطعه من العصمة إشفاقا من مواطأة أضرابه إياه على مثل صنيعه. وعندها حمل الأمير محمود «2» على قلب أبي علي في سواد فدح بثقله «3» كاهل الأرض، وسد بقسطله «4» مناكب الأفق. فلم يلبث أحد من أصحاب أبي علي لكفاح، أو مدافعة بسلاح، بل انفضوا عن موقفهم «5» انفضاض العقد خانه النظام، وانسل منه الفرد والتؤام، وجعلوها هزيمة انتكست بها الأعلام، وغصت بجموعهم الأباطح والآجام «6». وركب الأمير محمود أكتافهم بضربات تفلق هاماتهم «7» أنصافا، وتسقي النفوس سما زعافا، فلم يفته إلا سرعان تلك الجموع، [58 ب] ومن خفف عن ظهره ثقل الجواشن والدروع. وغنم أهل العسكر أموالا لو افتدي ببعضها على الصلح المعقود لبقيت الوجوه بمائها، ووضعت الحرب تلك الأوزار عن أبنائها.
وسار أبو علي بالفل من أشياعه إلى نيسابور، فأقبل بها على جبر «8» الكسير «9»، وريش «10» الحسير، استعدادا للانحياز عنها قبل رهق اللحاق، ومؤتنف «11» التلاق.
Bogga 112