Weelka Marmarka
الوعاء المرمري
Noocyada
فقال: أنت أولى بأن تدفعيني إلى أداء هذا الفرض يا أمي، وألا ترضي عن ولدك إن كان يقنع بحياة تدنسها العبودية. إنها حياة مثل شجرة بغير جذور ولا ثمر، وفي عصارتها سم ناقع. إنها تدنيس لإرادة الخالق الذي جعل الإنسان حرا عندما خلقه. لقد كنت موزعا بين خيلاء وبين هذا الفرض الذي لم يبق لي غيره. كانت خيلاء تعدني بالسعادة، وكنت أطمع أن نعتزل الحياة وحدنا ونتعبد في صومعة حبنا، ولكنها ذهبت تتعبد وحدها في نجران، فلأذهب أنا إلى واجبي.
وكانت ريحانة تنصت في لهفة وصدرها يضطرب وعيناها تنطقان عطفا. ثم قالت: ولدي! كأنني أسمع صوت أبي مرة. اذهب يا ولدي كما شئت، فقد امتحنك القضاء في هذه الساعة واختار سبيله. صدقت يا ولدي، فلست أرضى لك أن تكون عبدا، فاهرب كما هربت خيلاء. أنت ابن ذي يزن، وقومك هناك في أودية الجبال وسواحل البحر ينتظرون قيادتك، اذهب وقم بالفرض الذي توجبه عليك دماء أجدادك كما تقول ... وأما أنا ... يعز علي أن تفارقني، ولكني فارقت أباك من قبل مكرهة، فلأفارقك أنت راضية. سأتجرع الغصص كل يوم وكل ليلة وأنت بعيد عني لا أدري أين ولا كيف أمسيت. هكذا كنت أتجرع الغصص من أجل أبيك.
وألقت رأسها بين يديها، وجعلت تنشج نشيجا مرا، ووقف سيف حيالها في صمت مضطرب بين الحيرة والحنق، ثم انصرف مسرعا لا يدري أين يتجه، ولا يعرف ما يريد في ساعته. وتقدم له الحارس الحبشي عند الباب فقال له: الملك في انتظارك.
ولكنه مضى في سيره حتى أدركه الحارس، فأعاد عليه القول أكثر غلظة وهو يمسك بكتفه: الملك يدعوك.
فهز نفسه من يده وخرج إلى فناء القصر، فاعترضته ثلة من الأحباش بحرابها الطويلة، ولمس سيف مقبض سيفه، ثم أرسله وذهب صامتا في وسط الحلقة الجاهمة إلى حيث كان يكسوم. وكانت كلمات أمه ترن في سمعه: «لست أرضى لك أن تكون عبدا، فاهرب كما هربت خيلاء.»
الفصل الرابع عشر
قال الراوي:
عندما وقع بصر سيف على يكسوم في صدر الإيوان اعترته هزة، كأن صوتا صاح به في تلك اللحظة قائلا: «لقد مات أبرهة»، وأحس في أعماقه كأن صوتا آخر يصيح: «أيها الطاغية الغاصب.»
وتقدم نحوه يسير بطيئا ويحس الثورة المكبوتة في نفسه تضطرب في عنف، لم يخطر له من قبل أنه سيجد نفسه واقفا أمام يكسوم يحس في قلبه المقت والغضب ولا يستطيع أن ينفس عنه بكلمة، فكان صوت ضميره يزداد حنقا ويقول: «أيها الطاغية الفظ الذي سلبت مني سعادتي»، ولكن لسانه لم يتحرك إلا بتحية خافتة عندما صار أمام العرش، فقال: عمت صباحا أيها الملك.
وما كاد يقولها حتى انكمش واقشعر بدنه كأنه ارتكب خزيا على ملأ من الوقوف والجالسين، وعلا الدم إلى رأسه ووقف جامدا ينتظر صوت يكسوم، ولكنه لم ينطق برد التحية، بل نظر إليه بعينين تبصان ببريق بارد خاطف، ثم انصرف عنه متجها إلى القائد العربي الذي كان واقفا بين يديه، فقال له: أحسنت يا حناطة إذ أشعرتهم عضة السيف.
Bog aan la aqoon