ولما نشبت الثورة الكبرى في فرنسة كانت مملكة ساردنيه كما كانت تدعى حينئذ تحتوي على القسم الشمالي من إيطالية إلى جبال الإبنين؛ أي ساردنيه ونيس وصافويه.
ولم تكن هذه السياسة التي اختارها أمراء صافويه ترجع في قواعدها ودوافعها إلى أي اعتبار غير منفعة البلاد، وكان يميلها عليهم موقعها الجغرافي الذي شجع ملوك بيمونته على أن يكونوا أوفياء كما وصفها أحد ساسة بلجيكة.
وكان أهل البلاد كأمرائهم محاربين عنيدين، ذوي رأي صائب، لا يلتفتون إلى الآداب والفنون، وكانت الزراعة في حالة من التأخر، أما الصناعة فكادت تكون معدومة، وكانت أكثرية الشعب لا تعبأ كلية بالحرية السياسية أو الحرية الدينية، فارتضت - عن طيب خاطر - حكم آل صافويه العسكري والأبوي المطلق.
وكان ملوكهم ذوي كفاءة نادرة، شاعرين بواجباتهم، وقد استطاعوا بفضل اختلاطهم برعيتهم في الكفاح المديد للمحافظة على كيان البلاد؛ أن يصبحوا من صميم الأمة، وكان البلاط نشيطا بسيطا، وكانت الحكومة بوروقراطية نزيهة ولكنها جامدة تشتغل في أمور تافهة، أما النظام المالي فيها فكان من أحسن الأنظمة في أوروبا، وكانت ثمت أوجه شبه بين هذه الدولة وبين دولة بروسية في ألمانية.
وكانت الحكومة تساعد التجارة وتشجع الصناعة الحديثة النشأة، وكان الملك يرعاهما، أضف إلى ذلك أن الحكومة كانت تحمي الناس من تعدي الأفراد المرهق، وتضع القوانين النافعة للترفيه عن الفقراء. أما الحقوق السياسية والتقدم الاجتماعي فلم يعبأ بهما الملك ولا الشعب.
وكان الناس في هذه المملكة - شأنهم في أنحاء إيطالية كلها - هم وأملاكهم وشرفهم تحت رحمة الشرطة، وكان حق وضع القوانين نظريا من صلاحية مجلس الأعيان أو المجلس الأعلى على نمط المجلس الإفرنسي، بيد أنه لم يكن لهذا المجلس المذكور شأن في ذلك؛ لأن أعضاءه يعينهم الملك، وكان لمدينتي تورينو وجنوة هيئات بلدية، ومع أن الإيالات كانت تدار من قبل حكومات إلا أنها كانت خاضعة للحكام العسكريين، أما المدن فكانت تحت حكم قادة الحاميات.
وقد عبر أحد أشراف بيمونته عن هذا الحكم بالعبارة التالية: «ملك يأمر وطبقة أشراف تساعد وشعب يطيع.» وكان الأشراف كملكهم محدودي الفكر غير مسرفين ومتكبرين، ومنهم تتألف الطائفة العسكرية، وكانوا يتمتعون بامتيازات إقطاعية، ويعيشون عيشة البساطة ويحكمون أتباعهم بيد صارمة، ولكنهم غالبا ما كانوا يعطفون عليهم.
أما أولاد الأشراف الصغار الذين لا يرثون بمقتضى القانون فيتولون المناصب العالية في الجيش وفي الإدارة، وكانوا يشتغلون بجد وسعي ليحيوا حياة تليق بشرف أسرهم ومجد وطنهم، وأما جماعة الإكليروس فكانت خاضعة لسلطة الحكومة المباشرة، فالملك يعين المطارنة، ورغم أن الملوك كانوا موالين للبابا فإنهم لم يسمحوا بأي تدخل في امتيازاتهم في هذا الشأن، ومع ذلك فإن كابوس الإكليروس كان جاثما على البلاد؛ إذ استطاع اليسوعيون في سنة 1818 أن يستعيدوا نفوذهم.
وكان للمدارس التي أنشئوها وخرجت عددا كبيرا من أولاد الأغنياء أثرها في تقوية مركزهم، ولم يسمح لليهود بالاستخدام في الوظائف العامة ولا بالدخول في الجامعات، وبلغ امتداد نفوذ الكنيسة حدا كان معه الوزراء يراعون أيام الصوم خوفا من العزل، وكانت الجامعات توصد أبوابها أسبوعا مرتين في السنة للقيام بالواجبات الدينية، وعلى الرغم من هذه الصرامة الدينية، والمراسم الكثيرة التي تجريها الكنيسة؛ كانت مدينة تورينو أكثر المدن الإيطالية الشمالية دعارة.
ولم يمنع كون الأشراف وجماعة الإكليروس دعامتين لنظام الحكم في بيمونته أن يكون الجيش إحدى الدعائم أيضا، وقد احتفظ ملوك بيمونته بجيش كبير لا يناسب سعة المملكة، وكان الجيش والأسطول - إما حبا في التوسع أو رعاية للموقع الجغرافي - يستنفدان من الميزانية ثلاثة أرباعها، فاستطاعت هذه المملكة أن تجهز سبعين ألفا من الجنود.
Bog aan la aqoon