وفي صباح 27 نيسان تأكد الدوق الكبير من خيانة الجنود بمطالباتهم إياه السماح لهم برفع العلم المثلث الألوان، ولما حاول ابنه تحريض المدفعية الموجودة في القصر على التأهب لقصف المدينة أجابه الضباط بالرفض البات، فما كان من الدوق الكبير إلا أن أنكر موقفه السابق، وعرض على المتظاهرين منح الدستور وعقد الحلف مع بيمونته، ولكن المتظاهرين رفضوا الموافقة على هذا المنح وطلبوا إليه التنازل عن العرش فاضطر في مساء ذلك اليوم إلى الهرب من فلورنسة.
وحذت مدن طوسكانه الأخرى حذو فلورنسة فأرسلت 217 ناحية من 246 ناحية موافقتها العاجلة على ما تم، وتأسست على إثر ذلك حكومة وقتية نادت بكافور عمانوئيل دكتاتورا عسكريا طول مدة الحرب، وقد خشي كافور أن يمانع نابليون في ذلك؛ لأنه كان ينوي أن ينصب أميرا إفرنسيا على عرش مملكة إيطالية الوسطى إذا استطاع أن يقوم بذلك من دون أن يجلب سخط أوروبا.
ولكي يحول الإمبراطور دون أي حركة جمهورية أرسل فيلقه الخامس إلى طوسكانه تحت إمرة الأمير نابليون؛ ليمهد سبيل ارتقائه العرش، ولكن كافور توفق إلى إقناع الإمبراطور بالتخلي عن نيته بشأن عرش طوسكانه، ولكن الإمبراطور لم يكن جادا في هذا التخلي، وإنما أدرك أن مشروعه يثير شكوك أوروبا نحوه.
أما الأمير نابليون فقد جس نبض فلورنسة بعد وصوله إليها واقتنع بأنه ليس ثمة أمل له في النجاح، وقد تأثر بالاستقبال الحافل الذي استقبل به وغدا المدافع الغيور عن فكرة إلحاق طوسكانه ببيمونته، وبذلك دلت الأمور على أن البلاد سائرة نحو الوحدة، وقد عين بون كومباني مندوب كافور مندوبا ساميا عن بيمونته في طوسكانه، وكانت وزارته تتألف خصيصا من الأشراف؛ أي أنصار الحكم الذاتي ربما كانوا يتوقعون عودة آل لورين، إلا أن وطنيتهم جعلتهم لا يتخلون عن كومباني، وأصبح ريكاسولي الذي تولى وزارة الداخلية فيها المهيمن على الوزارة، وقد امتلأت نفسه غبطة بمشاهدة الرأي العام يشتد ميله نحو الانضمام إلى بيمونته والخروج بطوسكانه من عزلتها المخيفة.
وأرسل الطوسكانيون بعد أول انتصار في باليسترة بيانا يعلنون فيه فيكتور عمانوئيل ملكا على إيطالية، ووقع «ريكاسولي» وزميله «سالفا جنولي» عليه رغم غضب المتحزبين لفكرة الحكم الذاتي، بيد أنه حينما أخذ كافور يشجع الدعاية الانضمامية بشدة خشية أن يعود الإمبراطور إلى مشاريعه القديمة؛ احتج ريكاسولي على هذه الدعاية التي ترمي إلى القضاء على الامتيازات الطوسكانية المحلية؛ لأن ريكاسولي لم يكن يستهدف الاندماج الكلي ببيمونته حتى تصبح إيالة محرومة من تشريعها الاجتماعي الأكثر رقيا منه في الدول الأخرى ومن تقدمها في الناحيتين الثقافية والفنية، بل كان يرغب في أن تصبح طوسكانه عضوا متساويا للأعضاء الذين تتألف منهم مملكة إيطالية العظيمة.
وأخذ أمثال كابوني الذين ظلوا مترددين طويلا بين شعورهم القومي وتعلقهم بالعرف والاستقلال الطوسكاني؛ يجهرون برغبتهم في الوحدة مع بيمونته بشروط وعلى ألا يكون هناك اندماج تام، أما أنصار الحكم الذاتي الأقحاح فكانوا يريدون أن يحولوا دون تأسيس دولة نابليونية مهما كلفهم الأمر، فكان الانضمام إلى بيمونته وحده يقيهم شر ملكية الأمير نابليون وجمهورية مازيني معا، فأبرقت الوزارة بهذا النبأ وعلى أثر إعلان ميلانو الانضمام بأسبوع واحد قررت الوزارة - بالإجماع - سيادة فيكتور عمانوئيل على البلاد، وارتأى كافور أن سبيل إقناع الإمبراطور بالرضاء عن انضمام طوسكانه لبيمونته إنما يكون بالبرهنة على أن الطوسكانيين يريدون الانضمام إلى بيمونته بالإجماع، وقد تجلى ذلك الإجماع بورود طلبات الانضمام المختومة من 225 ناحية من مجموع 246 وهذه النسبة تمثل أحد عشر من اثني عشر من نفوس الأهلين.
وبينما كانت الحركة القومية في طوسكانه تعم وتتقوى أسبوعيا؛ كانت الأمور في دول البابا تسير في صعوبة وعسر، وقد حذت جميع مدن الروماني حذو مدينة بولونيه، وفي أسبوع واحد امتدت الثورة إلى جميع أنحاء المارك إلى أنكونه وفي أوميريه إلى «بيروزه».
وبعد أن أصدر البابا قرار تحريم بحق القائمين بالحركة استعد للقضاء عليها بالقوة، فهاجم الجنود السويسريون مدينة بيروزه في 20 حزيران، ومع أن أحسن رجال المدينة كانوا قد ذهبوا للقتال في لمبارديه، ولم يكن بيد المدافعين عنها سوى بضع مئات من البنادق القديمة؛ فإن الذين دافعوا عنها استماتوا في دفاعهم.
وأمرت حكومة البابا قائد السويسريين بأن يستعمل أقصى الشدة؛ لتصبح عبرة لغيرها، فأباح القائد لجنوده نهب المدينة وانتهكت حرمات الكنائس وأحرقت الدور ودكت دكا وقتل النساء والشيوخ، وقد كان البابا يقدس هؤلاء القساة على فظائعهم وأعد وساما لتخليد هذا العمل الشنيع، وأدى سقوط بيروزه إلى خضوع أوميريه والمارك فأعادت حكومة البابا نفوذها إلى حدود الروماني، ولم تستطع القوات السويسرية التقدم أكثر من ذلك لأن بعض الجنود البيمونتية كانوا في بولونيه، وأخذ المتطوعون يحتشدون لدفع أي عدوان.
وكان أول عمل قامت به الجمعية «لاجونتا» الوقتية في الروماني إعلانها قبول دكتاتورية فيكتور عمانوئيل من دون قيد، ولم يكن في الروماني من أنصار الحكم الذاتي سوى أفراد قلائل، وعلى إثر ذلك نصبت حكومة تورينو دازجيلو مندوبا ساميا عن الملك، بيد أن الإمبراطور نابليون عاد فقابل هذا العمل بالرفض مع أنه صرح إلى أحد أعضاء جمعية جونتا بأنه لن يوافق على إعادة سلطة البابا إلى بولونيه، إلا أنه كان من جهة أخرى يخشى معارضة الحزب الإكليريكي في فرنسة، وكان عازما على سحب جنوده من روما حالما يتم طرد النمسويين من شبه الجزيرة، وكان نابليون - دون ريب - لا يزال يحتفظ بأمل ضعيف في حل القضية بإقناع البابا على التخلي - في طيبة خاطر - عن بعض أجزاء دويلاته، وأن ينضم إلى مملكة إيطالية الوسطى. وكان الأحرار الإفرنسيون يتمزقون غضبا لمظالم بيروزه.
Bog aan la aqoon