187

============================================================

تدبر ما سمعت أيها العظيم في نفسه، واعلم أن الله تعالى يعلم اللبيب فيتعظ بالمدحة والمذمة إذا بلي بهما، يعلم أن المدح لا يليق بأمثالنا، ولسنا لذلك أهلا، وقد علم الله منا مساوىء كثيرة، والمذمة أولى بنا من المدحة والثناء والمدحة أبغض إلى اللبيب من المذمة، لعلمه بفسادها للدين، وقد أبغض الله من أحبها (1) . وذلك اللبيب إذا بلي بالمذمة أيقن أن الذي فينا من الأسواء اكثر ما به قد ذمنا. وأن الإنابة من أسوائنا أولى بنا من الوجدة على الذام لنا.

فالناصح المهدي إلينا معرفة عيوينا مستوجب للمحبة والشكر منا وأما المفتون العظيم في نفسه فما يتعظ بمدح ولا ذم، تجده يرتاح إليها، ويحب المضرة بدينه، ويمتعض من المذمة كأنه غير مستوجبها. ويبغض الناصح المهدي إليه عيوبه فالمادح والذام يضران بدين المستمدح وما يشعر (2).

فهذا فضل ما بين الرجلين : أحدهما يتمغص من المذمة، وهو أولى الناس بها. والآخر يرضى بالمذمة وهو أطهر الناس منها: اخي : إن عقلت ما وصفت لك ووعيته، فإن لك في رعاية نفسك والإتعاظ بمساويك، والنظر في أحوالك، والإنابة إلى مولاك من مساوئك شغلا شاغلا عن الوجدة على غيرك.

فراقب الله وإحذر أوزار الحقد والغضب على الذام، وتضرع إلى الله عز وجل في دوام سترة وتمام النعمة، فلن تزال بخير ما كنت في كنف الله عز وجل، عالما بأياديه، عاملا في الشكر له، معترفا بالإساءة والتقصير، خاضعا للحق، أهل السماء. أنظر: (تاريخ الاسلام للذمي، ج13 خطوط، رقم 42 تاريخ، ورقة 45 وما دها) وكلا الإماميين مسلم له يالفضل، فالمحاسبي فاضل في المشاهدات، وابن حنبل فاضل في حفظ الحدود، والمحاسبي استفاد من هذه الواقعة بلا شك، فكانا يتحدث عن خواطره هر (1) في الأصل : وقد بغض الله لمن أحبها (4) أما المادح، فإته يضر بدين المستمدح لأنه يدخل الغرور في قلبه، وأما الذام فإنه يضر بدين المذموم، لأنه يكرهه ورجما كان ذمه حقا

Bogga 187