أجابه المخترع: «أشكرك سيدي الوزير على ثقتك تلك؛ لأنني كنت أخشى أن ما قلته في الخطاب بدا غير عادي تماما بحيث يجعلك تتردد قبل أن تحدد موعدا للقائنا.»
ابتسم الوزير وقال: «أفهم ذلك. إنه الحماس الذي يشعر به المخترع حين يحقق النصر، وعلى هذا فقد كنت متشككا بشأن ما ذكرت في خطابك، رغم أنني لا أشك في أنك توصلت إلى اكتشاف قد يكون ذا فائدة لوزارة الحرب.»
تردد المخترع وهو ينظر نظرات جادة إلى المسئول الكبير الجالس أمامه.
ثم قال أخيرا: «من منطلق ما تقول، أخشى أن خطابي قد ضللك؛ ذلك أنني كنت مضطرا على جعل ادعاءاتي دمثة حتى إنني أخطأت في الانتقاص منها بدلا من المبالغة فيها؛ وذلك كله خشية ألا تصدقها. إن المادة المتفجرة هنا في جيبي.»
صاح الوزير وقد شحب وجهه وانتفض عن كرسيه: «آه! كنت أظن أنني قلت لك في رسالتي ألا تحضرها معك.» «سامحني على عدم إطاعتي الأمر. إنها غير ضارة تماما وهي في حالتها هذه. وهذه هي إحدى الخصائص - المميزة إن جاز لي قول ذلك - لتلك المادة الشديدة الفاعلية. يمكن التعامل معها بأمان تام، لكن تأثيرها محتوم كالموت.» وبقوله ذلك أخرج من جيبه زجاجة صغيرة ورفعها في الضوء وكانت الزجاجة ممتلئة بسائل صاف لا لون له وكأنه ماء.
قال المخترع: «يمكنك أن تصب هذا على النار من دون أن يحدث أي شيء سوى أنها ستطفئها. ويمكنك أن تضعها تحت مطرقة بخارية فتسحق المطرقة الزجاجة سحقا، لكن المادة لن تنفجر أيضا. إنها غير ضارة تماما في حالتها هذه وكأنها مياه.»
قال الوزير: «إذن كيف تتعامل معها؟»
تردد الرجل مرة أخرى.
وقال: «أخشى أن أخبرك ذلك، كما أنني إذا لم أستطع أن أبرهن لك بما يبدد أي شك داخلك على صحة ما أقول، فسيكون ما أقوله ضربا من الحماقة. إنني إذا أخذت هذه الزجاجة وأحدثت شقا في سدادة الفلين، وسرت بها وهي مقلوبة بطول شارع دي إيتالينز، تاركا السائل ليتساقط قطرة بقطرة على الرصيف، فيمكنني أن أسير بهذه الطريقة وأنا في أمان في كل شوارع باريس. وإذا أمطرت السماء في ذلك اليوم فلن يحدث شيء. وإذا ما أمطرت في اليوم الذي يليه أو ظلت تمطر أسبوعا فلن يحدث أي شيء، لكن في اللحظة التي ستشرق فيها الشمس وتجفف الرطوبة، فإن أخف خطوة من قدم قطة على أي رصيف مررت به سوف تتسبب في تدمير باريس كلها وتحولها إلى أطلال.»
صاح الوزير وقد علت وجهه تعابير الذعر: «هذا مستحيل!» «كنت أعرف أنك ستقول ذلك. ولذا أطلب منك أن تأتي معي إلى الريف، حيث سأثبت لك حقيقة ما أدعي. إنني أحمل هذه الزجاجة معي بتلك الطريقة المستهترة على ما يبدو؛ لأنها مسدودة بقطعة من الفلين كما ترى وبإحكام شديد. فلا بد ألا تترك أي قطرة على قطعة الفلين أو على الزجاجة. لقد مسحت الزجاجة وسدادة الفلين بحرص شديد، وحرقت قطعة القماش التي استخدمتها في ذلك. ولا تتسبب النار في انفجار تلك المادة حتى ولو كانت جافة، لكن أقل لمسة لها ستتسبب في تفجيرها. يتحتم علي أن أكون غاية في الحرص وأنا أصنعها، حتى لا تتسرب أي قطرة دون الانتباه إليها في أي مكان يمكن أن تتبخر فيه.»
Bog aan la aqoon