دلف حجرته ووجد على مكتبه خطابا معنونا ب «شخصي». فمزع المظروف ليفتحه وقرأ في حروف منمقة منسوخة على الآلة الكاتبة:
لقد استقلت من وظيفتي ككاتبة على الآلة الكاتبة، حيث تلقيت عرضا أفضل. لقد تلقيت عرض شراكة في منزل ريتشارد دينهام. وقد قررت أن أقبل العرض، ليس بسبب المغريات المالية الكثيرة بقدر ما هو بسبب أنني يسرني - بصفة ودية - الارتباط بالرجل الذي ذكرت اسمه . لماذا وضعتني تحت هذا الضغط الكبير في كتابة هذا الخطاب الأحمق، في حين أن بضع كلمات قليلة كانت ستوفر الكثير من العناء؟ من الواضح أنك تريد شريكا. وسوف يسعد أمي كثيرا أن تلتقي بك في أي وقت. لديك العنوان، صديقتك.
مارجريت جيل
صاح دينهام مبتهجا: «روجرز!»
أجابه الرجل المحترم وقد أطل برأسه إلى داخل الغرفة: «أجل يا سيدي.» «انشر إعلانا عن حاجتنا إلى موظفة آلة كاتبة أخرى يا روجرز.»
قال روجرز: «أمرك سيدي.»
هلاك لندن
(1) خيلاء القرن العشرين
أثق بأنني ممتن كثيرا أن طال بي العمر حتى أشهد أروع حقبة في تاريخ العالم، وهي حقبة منتصف القرن العشرين. ولا فائدة لأي إنسان في أن ينتقص من قدر الإنجازات الهائلة التي تحققت في الخمسين عاما المنصرمة، وعندما أقدم على لفت الانتباه إلى الحقيقة، التي من الواضح أنها أضحت منسية، وهي أن الناس في القرن التاسع عشر نجحوا في إنجاز الكثير من الأمور البارزة، فلا بد ألا يتصور أنني أعتزم من ذلك الانتقاص بأي درجة من شأن الاختراعات المذهلة للعصر الحالي. ويميل الناس دوما إلى أن ينظروا باستنكار وازدراء إلى أولئك الذين عاشوا خمسين عاما أو مائة عام قبلهم. ويبدو لي أن هذه هي نقطة الضعف البارزة للعصر الحالي؛ إنها إحساس عام بالخيلاء وهو ما ينبغي أن يبقى في الخلفية قدر الإمكان إذا ما وجد. وسيندهش الكثيرون حين يعرفون أن هذا كان أيضا أحد أوجه الخلل لدى من عاشوا في القرن التاسع عشر. لقد تخيلوا أنفسهم يعيشون في عصر التقدم، وعلى الرغم من أنني لست بالقدر الكافي من الغباء لكي أحاول إثبات أنهم قاموا بأشياء تستحق الإشارة إليها وتسجيلها حقا، فعلى أي باحث غير متحيز أن يعترف بأن اختراعاتهم كانت على الأقل هي حجر الأساس لاختراعات هذا العصر ونقطة انطلاقها. ولكن مع أن الهاتف والتلغراف، وكل الأجهزة الكهربائية الأخرى، لا تقبع الآن سوى في المتاحف القومية أو في المجموعات الشخصية لهواة جمع اختراعات القرن الماضي، فإن دراسة علوم الكهرباء التي أصبحت الآن عتيقة الطراز أدت إلى الاكتشاف الحديث للأثير المهتز الذي يساعد اليوم على إنجاز الأعمال كافة في العالم وعلى نحو مرض جدا. لم يكن الناس في القرن العشرين أغبياء، وعلى الرغم من أنني أعي تماما أن هذه الجملة ستقابل بالازدراء حيثما لفتت الانتباه إليها على أي حال، فمن في وسعه أن يقول إن التقدم خلال فترة نصف القرن القادمة لن يكون على القدر نفسه من الروعة الذي كان عليه في الفترة التي انتهت الآن؛ وإن الناس في القرن القادم ربما لا ينظرون إلينا بالازدراء نفسه الذي نشعر به تجاه من عاشوا قبل خمسين عاما؟
ورغم كوني رجلا عجوزا، وربما كنت شخصا متقاعسا يعيش في الماضي بدلا من المستقبل، فما زلت أرى أن مقالا كالذي نشر في مجلة «بلاكوود» بقلم البروفيسور الموهوب موبيري من جامعة أوكسفورد ما هو إلا مقال غير مبرر على الإطلاق. يحمل المقال عنوان: «هل استحق الشعب اللندني مصيره؟» وفيه يحاول البروفيسور توضيح أن المحو المتزامن لملايين البشر كان حدثا مفيدا، وأننا ما زلنا ننعم بنتائجه الجيدة حتى الآن. وهو يرى أن الشعب اللندني كان في غاية التخلف والغباء، وغير قادر على إحراز أي تقدم، ولا يهتم مطلقا إلا بجمع المال؛ ومن ثم فإن فناءه عن بكرة أبيه هو الشيء الوحيد الذي كان سيفي بالغرض، بل إن هلاك لندن سيكون محض نعمة وليس فاجعة مروعة. وعلى الرغم من الاستحسان الكبير الذي حظي به هذا المقال في الصحافة، فإن لدي تحفظاتي وأرى أن مثل هذا المقال لا مبرر له، وأن هناك ما ينبغي أن يقال عن لندن في القرن التاسع عشر. (2) السبب وراء عدم استعداد لندن، رغم تحذيرها
Bog aan la aqoon