السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً [النساء: ١٥٣] إلخ، فهو تعالى يقول له: إن أولئك المشركين ينكرون وحى الله إليك وإلى غيرك، وإنّ هؤلاء الجاحدين يكتمون الشهادة بنبوتك وبشارة أنبيائهم بها لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ [النساء: ١٦٦] إلخ.
فأما شهادته تعالى فقد بينها بيانا مستأنفا لوقوعها جوابا لسؤال مقدر، وهو قوله: (أنزله بعلمه) أى أنزل هذا القرآن الذى أوحاه إليك متلبسا بعلمه الخاص الذى لا تعلمه أنت ولا قومك من تشريع وحكم وآداب وعبر وأخبار غيب سابقة وحاضرة وآتية، بأسلوب معجز للبشر. وهو ما يفصله هذا الكتاب بالشواهد من السور العديدة، وأما شهادة الملائكة له فما أخبر به تعالى من نزول الروح الأمين جبريل ﵇ بهذا القرآن، وما أيده به يوم الفرقان يوم التقى الجمعان فى غزوة بدر، وكذا غزوتا الأحزاب وحنين، وفى أحوال أخرى.
هذه الشهادة من الله بهذا القرآن الذى لا يمكن أن يكون إلّا من الله حقّ لا ريب فيه، وهى أظهر من شهادة يوحنا (يحيى) للمسيح- ﵉ إذا روى يوحنا أنه قال: (٥:
١٣ إن كنت أشهد لنفسى فليست شهادتى حقا ٣٢ الذى يشهد لى هو آخر وأنا أعلم أن شهادته التى يشهدها لى هى حق ٣٣ أنتم أرسلتم إلى يوحنا فشهد للحق)، وكذلك هى أظهر وأقوى من شهادة المسيح لنفسه فيما رواه يوحنا أيضا، إذ دعا اليهود إلى اتباع النور الذى جاء به (٨: ١٣). فقال له الفرّيسيون: أنت تشهد لنفسك شهادتك ليست حقّا ١٤ فأجاب يسوع وقال لهم: (وإن كنت أشهد لنفسى فشهادتى حق)، وقد صدق ﵇ فى أن شهادته لنفسه حق، ولكن لا تقوم بها الحجة على الخصم، وأما شهادة الله تعالى لنبيه فى القرآن فهى حجّة على كلّ أحد يعجز عن الإتيان بمثله، فهى إذن حجة على كل أحد.
(الخامسة) الإخبار فى الآيات ١٦٧ - ١٦٩ بحال الكفار الذين يتعدى ضررهم إلى غيرهم من الناس، بصدّهم النّاس عن سبيل الله وهى الإسلام، وبظلمهم لأنفسهم وللناس، وكون جزاؤهم بحسب سنة الله فى أنفس البشر ونظام الاجتماع أن يظلوا سائرين على طريق الباطل والشر والموصلة إلى عذاب جهنّم. إذ لا يغفر الله تعالى لهم إلا بتزكية أنفسهم بالإيمان والعمل الصالح الذى يهدى إليه الوحى، وقد صاروا بضلالهم فى أشد البعد عنه خلافا لما يقوله الكفار من نيل المغفرة بجاه الشفعاء الشخصى مع بقاء الأنفس على
1 / 20