(الثانية) أن لله تعالى رسلا آخرين منهم من قصّ عليه خبرهم فى السور المكية إجمالا كقوله فى سورة الأنعام بعد قصة إبراهيم مع أبيه وقومه: وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحًا هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٥) وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ (٨٦) وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٨٧) ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٨٨) أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْمًا لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ (٨٩) أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ (٩٠) [الأنعام: ٨٤ - ٩٠]، وتفصيلا فى سور الأعراف وهود ويوسف وطه والطواسين (الشعراء والنمل والقصص) وما دونهن، ومنهم من لم يقص عليه خبرهم من أنبياء سائر الأمم لعدم العبرة لقومه ولجيرانهم بقصصهم، وعدم ظهور إقامة الحجة بها عليهم، وربما كان ذكر بعضها فتنة لبعضهم يدعون أنها أسماء مخترعة، وقد جاء فى بعض السور أنّه تعالى أرسل فى كل أمة رسولا.
وترى هذا فى موضع آخر من هذا الكتاب بشواهده، وهو حجة على أهل الكتاب الذين يحصرون فضل الله على البشر بالنبوة فيهم.
(الثالثة) أنّ وظيفة جميع الرسل تعليم النّاس ما به يصلح حالهم، ويستعدون لمآلهم بطريق التبشير لمن آمن وأصلح عملا بحسن الثواب، وإنذار من كفر وأفسد عملا بالعقاب وحكمة ذلك أن لا يكون للناس على الله حجة بجهلهم ما يجب عليهم من أصول الإيمان، وما تصلح به الأنفس وتتزكّى من صالح الأعمال، فتستعد لسعادة الدنيا
بقدرها، وسعادة الآخرة من بعدها. وقد فصلنا فى هذا الكتاب وجه الحاجة إلى هدايتهم، وعجز البشر عن الاستقلال بمعرفتها بعقولهم.
(الرابعة) شهادة الله تعالى وشهادة ملائكته بصحة هذا الوحى له ﷺ، وأورد هذه الشهادة مفتتحة بقوله لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ وهو استدراك على إنكار معلوم من قرينة حال الكفار به ﷺ من المشركين وأهل الكتاب ومما حكاه من قبل عن المشركين من الإنكار والمطالبة بالآية أو الآيات، كما تراه فى سورتى الأنعام ويونس وغيرهما ثم ما حكاه قريبا فى هذه السورة [النساء] عن اليهود بقوله: يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتابًا مِنَ
1 / 19