Wafa Bi Ahwal Mustafa
الوفا بأحوال المصطفى
Baare
مصطفى عبد القادر عطا
Daabacaha
دار الكتب العلمية
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
1408هـ-1988م
Goobta Daabacaadda
بيروت / لبنان
عن أبي معبد الخزاعي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر من مكة إلى المدينة هو وأبو بكر ، وعامر بن فهيرة ، ودليلهم عبدالله بن أريقط ، فمروا بخيمتي أم معبد الخزاعية ، وكانت امرأة جلدة برزة تحتبي وتقعد بفناء الخيمة ، ثم تسقي وتطعم . | فسألوها تمرا ولحما يشترونه ، فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك ، فإذا القوم مرملون مسنتون ، فقالت : والله لو كان عندنا شيء ما أعوزكم القرى . | فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة ، فقال : ( ما هذه الشاة يا أم معبد ؟ ) . | فقالت : هذه شاة خلفها الجهد عن الغنم . | قال : ( هل بها من لبن ؟ ) . | قالت : هي أجهد من ذلك . | قال : ( أتأذنين لي أن أحلبها ؟ ) . | قالت : نعم بأبي أنت وأمي إن كان رأيت بها حلبا . | فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الشاة ، فمسح ضرعها ، وذكر اسم الله وقال : ( اللهم بارك لها في شاتها ) . | قالت : فتفاجت ودرت واجترت ، فدعا بإناء يربض الرهط فحلب فيه ثجا حتى علاه الثمال . | فسقاها فشربت حتى رويت ، وسقى أصحابه حتى رووا ، وشرب صلى الله عليه وسلم آخرهم ، وشربوا جميعا عللا بعد نهل حتى أراضوا . | ثم حلب فيه ثانية عودا على بدء فغادره عندها ثم ارتحلوا عنها . | فقل ما لبث أن جاء زوجها أبو معبد يسوق أعترا حيلا عجافا يتساوكن هزلا مخهن قليل لا نقى بهن . | فلما رأى اللبن عجب وقال : من أين لكم هذا ، والشاة عازبة ولا حلوبة في البيت ؟ | قالت : لا والله ، إلا أنه مر بنا رجل مبارك ، كان من حديثه كيت وكيت . | قال : والله إني لأراه صاحب قريش الذي تطلب ، صفيه لي يا أم معبد . | قالت : رأيت رجلا ظاهر الوضاءة ، متبلج الوجه ، حسن الخلق ، لم تعبه ثجلة ، ولم تزر به صعلة ، قسيم وسيم ، في عينيه دعج ، وفي أشفاره وطف ، وفي صوته صحل ، أحور ، أكحل ، أزج ، أقرن ، شديد سواد الشعر ، في عنقه سطع ، وفي لحيته كثافة ، إذا صمت فعليه الوقار ، وإذا تكلم سما وعلاه البهاء ، كأن منطقه خرزات نظمن يتحدرن ، حلو المنطق فصل لا نزر ولا هذر ، أجهر الناس وأجمله من بعيد ، وأحلاه وأحسنه من قريب ، ربعة لا تشنؤه عين من طول ، ولا تقتحمه عين من قصر ، غصن بين غصنين ، فهو أبهى الثلاثة منظرا وأحسنهم قدا ، له رفقاء يحفون به ، إذا قال استمعوا لقوله ، وإذا أمر تبادروا لأمره ، محفود محشود ، لا عابس ولا مفند . | قال : هذا والله صاحب قريش الذي ذكر له من أمره ما ذكر ، ولو كنت وافيته لالتمست أن أصحبه ، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا . | وأصبح صوت بمكة عاليا بين السماء والأرض يسمعونه ولا يرون من يقوله وهو يقول : | جزى الله رب الناس خير جزائه | رفيقين حلا خيمتي أم معبد | هما نزلا بالبر وارتحلا به | فأفلح من أمسى رفيق محمد | فيال قصي ما زوى الله عنكم | به من فعال لا تجازى وسؤدد | سلوا أختكم عن شاتها وإنائها | فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد | دعاها بشاة حائل فتحلبت | له بصريح ضرة الشاة مزبد | فغادره رهنا لديها لحالب | بدرتها في مصدر ثم مورد | فأصبح القوم قد فقدوا نبيهم وأجدوا على خيمتي أم معبد . فأجابه حسان بن ثابت فقال : | لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم | وقدس من يسري إليه ويغتدي | ترحل عن قوم فزالت عقولهم | وحل على قوم بنور مجدد | وهل يستوي ضلال قوم تسفهوا | عمى وهداة يقتدون بمهتدي | نبي يرى ما لا يرى الناس حوله | ويتلو كتاب الله في كل مشهد | وإن قال في يوم مقالة غائب | فتصديقها في ضحوة اليوم أو غد | ليهن أبا بكر سعادة جده | بصحبته ، من يسعد الله يسعد | ويهن بني كعب مكان فتاتهم | ومقعدها للمسلمين بمرصد | البرزة : الكبيرة . | والمرملون : الذين نفد زادهم . | والمسنتون : من السنة وهي الجدب . | وكسر الخيمة : جانبها . | والجهد : المشقة . | وتفاجت : فتحت ما بين رجليها لتحلب . | ويربض الرهط : يثقلهم فيربضوا . | والثمال : الرغوة . | والعلل : مرة بعد أخرى . | وأراضوا : أي رووا . | والحيل : اللاتي لسن بحوامل . | والعازب : البعيد في المرعى . | والمتبلج : المشرق . | والثجلة : عظم البطن واسترخاء أسفله . | والصعلة : صغر الرأس . | والوسيم : الحسن ، وكذلك القسيم . | والدعج : سواد العين . | والوطف : الطول . | والصحل : كالبحة . | والأحور : الشديد سواد أصول الأهداب خلقة . | والسطع : الطول . | وقولها : ( إذا تكلم سما ) : أي علا برأسه ويده . | وقولها : لا تقتحمه عين : أي تحتقره . | والمفند : الهرم . | والصريح : الخالص . | والضرة : لحم الضرع .
عن أم معبد قالت : طلع علينا أربعة على راحلتين ، فنزلوا بي فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة أريد أن أذبحها له ، فإذا هي ذات در ، فأدنيتها منه فلمس ضرعها ثم قال : لا تذبحيها . | فأرسلتها وجئت بأخرى فذبحتها وطبختها لهم ، فأكل هو وأصحابه ، فتغدى رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وأصحابه ، وزودتهم منها ما وسعت سفرتهم ، وبقي عندنا لحمها أو أكثره . | وبقيت الشاة التي لمس رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرعها ، حتى كان عام الرمادة زمن عمر ، وهي سنة ثماني عشرة من الهجرة . | قالت : وكنا نحلبها صبوحا وغبوقا ، وما في الأرض قليل ولا كثير . |
Bogga 247