وإنما سار أبو بكر في هذا على خطة النبي التي كان يتبعها، وهي أن يشغل العرب عن التفكير في خضوعهم، ولا يدع لهم وقتا كافيا لذلك، وقد رأى أن خير ما يربطهم بالإسلام لا يكون إلا عن طريق الفتح والانتصارات الحربية وما يجره ذلك من الغنائم. •••
وهكذا انتهت حروب الردة، ولم تقم للمرتدين بعدها قائمة، فقد كان عقاب الردة القتل؛ ومن هنا تظاهر الناس بالإسلام ووقفوا عند هذا الحد.
ونحن إذا استثنينا صفوة المسلمين ونواتهم المؤلفة من المهاجرين والأنصار وبعض من يمتون إليهم بسبب، لم نجد بعد ذلك من يعرف القرآن وتعاليمه إلا عددا غاية في القلة، أما العرب الذين استوطنوا أفريقيا فقد ظلوا - حتى بعد مضى قرن من الهجرة - لا يعرفون من الإسلام أكثر من أنه دين أتى بتحريم الخمر.
أما أولئك الذين استوطنوا مصر فإنهم ما تحدثوا عن الإسلام، أو شغلوا به أنفسهم قط، وكانوا لا يذكرون إلا أيام الوثنية وعهودها الطيبة بالثناء والحنين. •••
ولما انتصر العرب على الفرس في موقعة القادسية «635م» وأخذ كل واحد نصيبه من الغنائم، بقيت نفائس أخرى وافرة لم تقسم بعد، فكتب الخليفة «عمر» - أمير المؤمنين حينئذ - يأمر القائد بتوزيع باقي الغنائم على من يحفظ أوفر قسط من القرآن.
فجمع القائد إليه أبطال الجهاد الذين تم بفضلهم النصر والفوز، فسأل «عمرو ابن معد يكرب» النبيل عما يحفظه من القرآن فأجابه: «لا شيء لأنني دنت بالإسلام في بلاد اليمن، ثم صرفتني الحروب العديدة عن القرآن وعن الاشتغال به.»
36
فالتفت القائد إلى بشر بن طائف يسأله، فكان جوابه: «ليس حظي من ذلك بأوفر من حظ عمرو: «بسم الله الرحمن الرحيم».» وقد كان هذا هو كل ما يحفظه من القرآن! •••
زد على ذلك أن الإسلام، وإن لم يلق معارضة قوية أثناء فتوحاته المتوالية المظفرة فإن ثراة مكة وطبقة الأرستقراطية العربية لم يغفروا لأصحاب هذا الدين الجديد ومؤسسيه هذا الفوز الذي أحرزوه، ولم يرضوا عن ذلك السلطان الذي أراد الموحدون أن يبسطوا ظله عليهم.
ولقد كانت تقوم المنازعات والشغب على مسألة من المسائل ظاهر أمرها أنها شخصية لا علاقة لها بمبدأ أو عقيدة، وهي - في حقيقتها وجوهرها - غير ذلك ؛ فقد كان يتخذ النزاع غرضا يحوم حوله ومبدأ يناضل عنه؛ ليتخذ منه تكأة يبرر بها غايته من الشغب.
Bog aan la aqoon