ويدخل أبو حذيفة فيرى عبد الله مطرقا مغرقا في التفكير، ويرى امرأته سهلة قائمة تنظر إليه نظرات حازمة قوية، ولكن فيها شيئا من أمل وشيئا من حنان. فينظر أبو حذيفة إلى امرأته، ثم ينظر إلى عبد الله، ثم يقول في صوت عميق: هل تنبئينني يا سهلة بأن الله قد أنزل السكينة على قلب أخيك؟
وهمت سهلة أن تجيب، ولكن عبد الله يرفع رأسه ويسبق أخته إلى الحديث فيقول: السكينة! السكينة! ... ما عسى أن تكون هذه السكينة؟
إن لكم لألفاظا تديرونها في أفواهكم وتقرعون بها آذاننا، ولكنا لا نحصل لها معنى، هذه تزعم أنكم تحبون محمدا أكثر مما تحبون آباءكم وإخوانكم وأنفسكم، وأنت تسألها هل أنزل الله على قلبي السكينة، ما عسى أن تكون هذه السكينة؟! وما عسى أن يكون محمد قد صنع بقلوبكم حتى استأثر بها من دون آبائكم وإخوانكم وأنفسكم؟!
قال أبو حذيفة في صوت رفيق: لم يصنع محمد بقلوبنا إلا أنه نقاها من الغي، وجلاها من الضلال، واستنزل عليها السكينة التي ملأتها أمنا ورضا وثقة وأملا، وحالت بينها وبين الخوف والشك والقنوط، ثم يتلو قول الله عز وجل:
إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون * أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون ، ولا يكاد الفتى يسمع هاتين الآيتين حتى تأخذه رعدة عنيفة ويتفصد
213
جبينه عرقا، ويمضي أبو حذيفة في تلاوته، فيقرأ:
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم * دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين . •••
ولا يبلغ أبو حذيفة آخر هذه الآيات حتى يهدأ روع الفتى ويثوب إلى قلبه الأمن، وينظر إلى أبي حذيفة مبتسما، ويقول في صوت تشيع فيه دعابة حلوة: ويحك! إني أحس كأن سكينتكم هذه تسعى إلى قلبي، أذاهب أنت بي أبا حذيفة إلى محمد لأتلقاها منه؟
وأمسى عبد الله مسلما قد عاد إلى أخته، وجلس إليها وإلى أبي حذيفة، وسالم يسمع منهم القرآن. تقول له سهلة حين منصرفه عنها حين تقدم الليل: أمهاجر أنت معنا يا أخي؟
Bog aan la aqoon