في حلقه وحسرة في قلبه، قد اشتراه في بصرى من بعض الكلبيين بثمن بخس زهيد، وقدر في نفسه أنه سيبيعه من بعض أهل يثرب، فيربح في ثمنه ذاك الذي أداه مثليه أو أمثاله. ولكن أهل يثرب من العرب واليهود لم يعهدوا سلاما جالبا للرقيق أو متجرا فيه، فلما رأوه يعرض عليهم هذا الصبي، ويلح في عرضه ويرغب في شرائه؛ أنكروا منه ذلك وظنوا به الظنون. وقال قائلهم: إنما اشترى سلام هذا الغلام لنفسه، فلا نأمن أن يكون قد رأى فيه من العيب أو الآفة ما زهده فيه، فهو يبيعنا ما ليس له فيه أرب. وكان الصبي بادي السقم، ظاهر الضر، كأنه قد لقي من الذين اتجروا فيه شرا ونكرا، ولم يكن يحسن العربية، بل لم يكن يستطيع أن يفصح عن ذات نفسه، ولم يكن يحسن الرومية، بل لم يكن ينطق منها حرفا، وإنما كان إذا كلمه سيده أو غير سيده من الناس التوى لسانه بألفاظ فارسية لا يفهمها عنه أحد.
وكان سلام يزعم للناس أن هذا الصبي ذكي الفؤاد، صناع اليد،
196
موفور النشاط إذا صلحت حاله ووجد من الطعام ما يقيم أوده. وكان يزعم لهم أنه سليل أسرة فارسية شريفة أقبلت من إضطخر حتى استقرت في الأبلة فملكت أرضا واسعة وزارعت فيها النبط، وملكت تجارة عريضة كانت تصرفها في أطراف العراق، فإذا سئل من أنباء هذه الأسرة عن أكثر من ذلك لم يحر جوابا،
197
وإنما يقول: زعم لي من باعني هذا الصبي أن العرب اختطفوه حين أغاروا مع الروم على الأبلة، فباعوه من بني كلب، وتعرض به بنو كلب في بصرى يريدون أن يبيعوه لبعض تجار العرب أو اليهود، وقد رأيته فرق له قلبي ومالت إليه نفسي، وقدرت أن سيكون له شأن أي شأن، فاشتريته فيما اشتريت من المتاع والعروض ...
هنالك كان الناس يقولون له: فلم لا تمسكه عليك
198
إذن؟!
فيقول: إن ما أنفقت من المال فيه أحب إلي وآثر عندي منه، وماذا أصنع بصبي لا أحسن القيام عليه ولا يحسن هو أن يقوم على نفسه، وليس لي أهل أكله إليهم؟! والصبي مع ذلك ذكي القلب، صناع اليد، موفور النشاط إن صلحت حاله وأصاب من الطعام ما يقيم أوده. انظروا إلى عينيه كيف تدوران ولا تكادان تستقران على شيء، إنه سريع الحس يخطف ما يرى دون أن يثبته،
Bog aan la aqoon