100
وكرهوا مقاومته وأنكروا مساومته، ورأوا أنه مقدم على إثم عظيم، فربئوا بأنفسهم عن المشاركة فيه. وأما سفاؤهم وذوو الطيش والنزق منهم فتفرقوا شيعا واختلفوا أحزابا؛ فمنهم من قاوم حتى أعيته المقاومة فاستكان، ومنهم من ساوم فباع نفسه وأقبل على الإثم مستخفا به غير حافل بعواقبه، ومنهم من تنحى عن الطريق ولم يبعد، وإنما أقام رصدا
101
يرقب الجيش ويتربص به الدوائر وينتهز منه الغفلات، يقتل هنا ويخطف هناك، ويلوذ بين ذلك بشعاف الجبال وشعابها،
102
حتى اضطغن
103
عليهم أبرهة في نفسه وأقسم ليؤدبنهم منصرفه عن مكة أدبا تتسامع العرب به، فتعرف للنجاشي هيبته وسلطانه، ولكن أبرهة لم يدخل مكة ولم يمسس بيتها بسوء، ولم ينصرف عن مكة انصراف المنتصر ولا انصراف المخفق، وإنما انصرف عنها انصراف المنهزم المخذول الذي فعل الدهر به الأفاعيل، وإن لم ير جيشا محاربا ولا عدوا مناوئا، وإنما رأى طيرا أبابيل ترميه وترمي جيشه بحجارة من سجيل، فتجعله وتجعل جيشه كعصف مأكول،
104
وقد أسرع ذوو خاصته به إلى اليمن، وقد نهكته العلة حتى أشرف على الموت، ومروا في طريقهم بخثعم فلم يبطشوا بها ولم يصبوا عليها عقابا ولا عذابا، إنما بطشت بهم خثعم فصبت عليهم العقاب والعذاب، ولم يخلصوا منها إلا بشق الأنفس، ومضوا يحملون عليهم بين الموت والحياة، فلم يبلغوا به صنعاء إلا وقد انشق صدره عن قلبه، وأدركه الموت بعد أن برحت به العلة تبريحا.
Bog aan la aqoon