قال عبد الله بن جدعان: لك في قريتنا هذه أرب؟! أي أرب؟! وما ذاك؟
قال صهيب: لو عرفته لأنبأتك به، ولكنني نبئت منذ آخر الصبا وأول الشباب أن محياي ومماتي في أرضكم هذه، أعيش في حرمكم هذا شطرا من عمري، وأعيش في حرم آخر شطره الذي يبقى لي، وأموت وأدفن في أرض الحجاز.
قال عبد الله بن جدعان: ويحك يا صهيب! إنك لتحدثني بالأحاجي
94
منذ اليوم، وإني لا أعرف في بلاد العرب حرما غير هذا الحرم.
قال صهيب: وأنا لا أعرف في بلاد العرب حرما غير هذا الحرم، ولكني أحدثك بما نبئت به في آخر الصبا وأول الشباب، وهو حديث سمعته من قس في بلاد الروم، فلم أفهمه ولم ألق إليه بالا حتى رأيتني أباع ذات يوم من بني كلب، وسمعت سادتي يتحدث بعضهم إلى بعض بأنهم يبيعونني بثمن ربيح حين يفد عليهم الوافدون من سكان الحرم من قريش، ولو قد شئت أن أفلت من بني كلب لما أعياني الإفلات، ولكني أردت أن أمتحن نبوءة القس فألفيتها صادقة إلى الآن، وما أرى إلا أنها ستصدق حتى تبلغ مداها، فأرسلني في تجارتك حيث شئت، فإني ناصح لك وعائد إليك، واردد إلي حريتي إن أحببت، فإني مقيم في أرضكم هذه لا أريم، وأخرجني منها إن أردت حين يصبح الصبح، فإني راجع إليها حين يمسي المساء فمقيم فيها حتى يكون ما لا بد من أن يكون.
قال عبد الله بن جدعان: ما رأيت كاليوم مغامرا مقامرا!
قال صهيب: هو ذاك.
قال عبد الله بن جدعان: فاصحبني إلى المسجد، فإني أريد أن أشهد قريشا على أنك حر.
قال صهيب: حسبك أن تشهد نفسك وتشهدني على أني حر، فليس لي في شهادة غيرنا على حريتي أرب. وأصبح عبد الله بن جدعان، فتحدث في أندية قريش بأنه قد أعتق غلامه الرومي صهيبا وحالفه، وجعله أمينا على ماله كله وعلى تجارته في رحلتي الشتاء والصيف، فسمعت قريش ولم تنكر لما تحدث إليها به حرب بن أمية مما كان لهذا الفتى من حسن البلاء في تجارة مولاه. •••
Bog aan la aqoon