وكان اعتياديا تماما بعد هذا التزاوج بين المجتمعين والنظامين أن تتداخل القرابين الزراعية بالأضاحي الرعوية، وأن تستمر تضحية الأب البدائي في الذكرى الإنسانية، التي تحولت إلى عرف مسنون يجب الوفاء به كلما حل بهم أمر جلل، وعلى الملك (الذي حل محل الأب بعد قيام المدن) أن يقوم بهذه التضحية، باعتباره ممثل الإله كما ضحى بذلك الأب الأول. وهو ما فعله الملك القرطاجي «هملقار» في معركة «هيرا» التي قاتل فيها الإغريق قتالا مستميتا، واستمرت من الفجر حتى منتصف الليل، ومكث في معسكره يلقي بعشرات الضحايا في محرقة هائلة. ولما رأى جنوده يتقهقرون ارتمى وسط اللهب بتضحية اختيارية، وقضى نحبه فداء مواطنيه. فجعل مواطنوه فيما بعد يقدمون له الضحايا، وشيدوا له نصبا في كافة المستعمرات القرطاجية
69 (وهو تكرار واضح لا يحتاج تعليقا لما سبق وحدث في سالف الأزمان، ويتفق تماما مع رأينا).
بالعودة إلى خمسة آلاف سنة مضت، وقت نشأة المدن في الهلال الخصيب، وسيادة الذكور، وتزاوج الثقافتين الرعوية الأبوية والزراعية الأمومية، تحولت احتفالات الخصب؛ لحث الأرض على الإنتاج، من إلهات الأرض والزهرة الإناث، إلى الآلهة الذكور، فتحولت القرابين بالتالي إلى أضاحي، يضحي فيها الملك بنفسه، ويبدو أن تقديم الأطفال قربانا للنيران - فيما نرى - قد نشأ عن محاولة الملوك التهرب من هذا المصير المفزع، فنشأت عادة مضاجعة الملك للكاهنة الكبرى «قاديشتو» لإنتاج آلهة من نسله الملكي الإلهي تخصص للتضحية. وفي هذا ما يفسر لنا لجوء الملك اليهودي «داود» إلى شنق أبناء سلفه «شاول» السبعة؛ لرفع القحط وإنزال المطر.
وهكذا أصبح إنبات الأرض واستنزال المطر وعودة فصل الخصب، مرهونا بسفك الدماء وبالأضاحي، وهو أمر لا يزال شائعا في بلادنا إلى اليوم، يتمثل في تحذير الأم لطفلها بعدم الخروج وحيدا، حتى لا يذبحوه على حجر طاحونة الحبوب؛ لأن الطاحونة إذا توقفت فلا بد أن يذبح عليها طفل حتى تعود إلى العمل، وتعود إلى طحن الحبوب، هكذا كانوا يروون لنا ونحن صغار، وهي رواية تلقي بنا في مرآة التاريخ القديم، حيث ارتهن استمرار دوران الطبيعة (الطاحونة)؛ لتعطي حبوبها وزرعها بالتضحية بالدم، وهي تضحية لم تكن - أبدا - أصيلة في المجتمع الأمومي الزراعي. إنما وفدت مع قدوم الرعاة، إذ أصبح تقديم الطفل الملكي الإلهي للإلهة الأم الكبرى، نتيجة اقتران ثقافة المزارع القاضية بتقديم دم بكارة الأنثى في الهيكل للأم الكبرى، بثقافة الراعي التي كانت تقضي بتقديم بكر الخراف أو الملك نفسه فداء للجماعة.
وربما كان الطفل (الناتج عن جماع الملك الرعوي بالكاهنة الأمومية) هو تراض بتعاقد لتقديم ضريبة عوضا عن الصراع الدموي، الذي لا بد قد حدث إبان دخول الرعاة للأرض الزراعية، بين أصحاب الأرض الزراعية وبين الغزاة الرعويين.
والمطالع للكتاب المقدس يجده لا يني يذكر دائما الابن البكر صاحب الميراث والبركة عن أبيه، وهو ما يتفق مع اعتباره ولي العهد أو الملك أو الأب الذي يجب أن يقوم بالتضحية المطلوبة.
وظل الاعتقاد قائما حتى اليوم، ويمارس تذكرة بالأب الفادي والشهيد الأول، وظل الخروف هو الضحية المثلى، يذبحه أحفاد الرعاة المسلمون، ويذبحه المسيحيون ليفطروا على لحمه، بعد الصيام الأمومي النباتي الطويل.
لوحة رقم 13: أفروديت الولادة.
لوحة رقم 14: تمثال بدائي آخر، أفروديت الولادة.
لوحة رقم 15: إلهة الخصب عشتار.
Bog aan la aqoon