الإهداء
مطالعات حرة في كتابات غير مصادرة
تأسيس
قراءة سريعة في موضوع الإله النقيض
زهرة للحب، زهرة للحرب
أضحية للذكر، قربان للأنثى ومدخل إلى جذور الدين الاجتماعية
القمر الأب أو الضلع الأكبر في الثالوث
نماذج من الأساطير التوراتية ومدخل إلى فهم دورها التاريخي
الملوك الأربعة
النسخ في الوحي
Bog aan la aqoon
قائمة مصادر استشهادات البحث
الإهداء
مطالعات حرة في كتابات غير مصادرة
تأسيس
قراءة سريعة في موضوع الإله النقيض
زهرة للحب، زهرة للحرب
أضحية للذكر، قربان للأنثى ومدخل إلى جذور الدين الاجتماعية
القمر الأب أو الضلع الأكبر في الثالوث
نماذج من الأساطير التوراتية ومدخل إلى فهم دورها التاريخي
الملوك الأربعة
Bog aan la aqoon
النسخ في الوحي
قائمة مصادر استشهادات البحث
الأسطورة والتراث
الأسطورة والتراث
تأليف
سيد القمني
الإهداء
لأنهم لم يضجروا يوما ولم يتأففوا مرة ولم يشكوا أبدا، رغم أني أخذت حقهم في وقتي وأعطيته لمطالعاتي وأبحاثي؛ ولأني اقتطعت من قوتهم ومتعهم البسيطة لأستكمل مصادري وأوراقي؛ لأنهم آمنوا أن قبضهم على الجمر هو إسهامهم من أجل الحلم الآتي؛ لهذا فهم وحدهم الأحق بكل ما أنجزت داخل غرفتي الصغيرة المغلقة، عندما كانوا يتحركون على أناملهم ويتحدثون همسا ويتشففون لقائي إبان خروجي النادر والمنهك إليهم ... فلهم أنا وما كتبت وما بقي من عمري حبا وكرامة.
إلى محمود وإيزيس وسلوى ونفرتي فلذات كبدي
مطالعات حرة في كتابات غير مصادرة
Bog aan la aqoon
يؤذن في مالطة
وبخصوص المهمة الأساسية لوزارة الأوقاف ... هل الإيمان متعلق بفخامة البناء؟ وهل هو متوقف على كون الرخام مستوردا من إيطاليا، في بلد يشكو من قلة المساكن، بل يعيش أزمة سكنية؟ ليس من العدل والرحمة أن ينشط بناء الجوامع والكنائس الفخمة في حين يعيش أبناء الله في مساكن ضيقة غير صحية وغالية الإيجار، بما لا يتناسب مع دخولهم، فالمؤمن يستطيع أن يصلي أينما شاء، هذا إذا غضضنا النظر عن كون المساجد والجوامع الموجودة كافية.
بوعلي ياسين
يعرف مقام الكلام
وأكتم علمي عن ذوي الجهل طاقتي
ولا أنثر الدر الثمين على الغنم
فمن منح الجهال علما أضاعه
ومن منع المستوجبين فقد ظلم
الإمام الشافعي
يغامر
Bog aan la aqoon
إذا غامرت في شرف مروم
فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير
كطعم الموت في أمر عظيم
المتنبي
يتزندق
إذا كان لا يحظى برزقك عاقل
وترزق مجنونا وترزق أحمقا
فلا ذنب يا رب السماء على امرئ
رأى منك ما لا يشتهي فتزندقا
Bog aan la aqoon
أبو العلاء المعري
يلقي بيديه إلى التهلكة
لما جهلت من الطبيعة أمرها
وأقمت نفسك في مقام معلل
أثبت ربا تبتغي حلا به
للمشكلات، فكان أكبر مشكل
الزهاوي
يقرر فقط
إن أول خطأ عام يجب الانتباه إليه والتخلص منه هو القول إن الجنس البشري يتألف من كتلة عظيمة من المتدينين، وقلة من الملحدين الشاذين غريبي الأطوار ... وإن مسألة كون المؤمن أكثر سعادة من الشاك، ليست أصدق من حقيقة كون السكران أكثر سعادة من الصاحي.
برناردشو
Bog aan la aqoon
يصرح فقط
كيف تقوم للنظام قائمة في دولة بلا دين؟
نابليون
يفسر الحكمة «هذا من فعل الله» ليس تفسيرا لظاهرة ما، إنما هو اعتراف بأنه ليس لدينا تفسير لهذه الظاهرة، وأحيانا يؤدي هذا الموقف - وهذا هو الأخطر - إلى عدم بذل الجهد العلمي المطلوب لمحاولة إيجاد تفسير معقول.
وضاح نصر
يلحد
قال تعالى في وصف الجنة:
وأنهار من لبن لم يتغير طعمه (محمد: 15) ولا يكاد يشتهيه إلا الجائع، وذكر العسل، ولا يطلب صرفا، والزنجبيل، وليس من لذيذ إلا شربه، والسندس يفترش ولا يلبس، وكذلك الإستبرق وهو الغليظ من الديباج، ومن تخايل أنه في الجنة يلبس هذا الغليظ ويشرب الحليب والزنجبيل، صار كعروس الأكراد والنبط.
ابن الراوندي
يعقب على الملحد
Bog aan la aqoon
نسطر افتخارنا وإعجابنا بهذه المدنية الإسلامية السمحة، التي كانت تأذن لأمثال صاحبنا ابن الراوندي بهذا الاجتراء على عقائدها، وبهذا التهجم والتنقص من تفكيرها ودينها، وهي ساكنة هادئة تؤلف الكتب ردا عليه، ودحضا لما انهال به عليها من حامي اللطمات، وإن تاريخ المدنيات القديمة لا يروي لنا سيرة أي جريء متهور بلغ به تهوره إلى الحد الذي بلغ بصاحبنا.
سليم خياطة
يحزن على لافوازيه ولا يحزن على الجماهير
أما لافوازيه الشهير أبو علم الكيمياء على مر العصور، وأحد الأركان الرئيسية في الحضارة البشرية، فقد سقط رأسه أيضا تحت المقصلة؛ لأن الجمهورية ليست في حاجة إلى علماء، كما قال أحد النباحين المتملقين إلى الجمهور الغبي، ردا على من استكبر قتل عالم عبقري من هذا الوزن، واستفظع الجريمة الهائلة، ترتكب بحق الحضارة الإنسانية، وقد أبى الجمهور المناضل إلا أن يرى رأس لافوازيه مرفوعا بيد الجلاد؛ ليطمئن خاطره إلى أن الجهل قد زال، والعلم قد ساد، والعدالة قد فاضت وباضت، وفي حساب الحضارة، لا تساوي كل جماهير العالم العريضة شعرة واحدة في رأس هذا العبقري.
جورج جرداق
يرد على نفسه
ليس من حق أحد أن يقف أمام الملأ ويقول: أنا الإسلام. ليس من حق أحد أن يتحصن بكتاب الله ثم يعلن علينا من ورائه أن من نصره وأيده فقد دخل في زمرة المؤمنين الصالحين، ومن خذله وعارضه فقد خرج على كتاب الله وصار من أعداء الله المارقين ... لكنهم في زماننا يقولون غير ذلك ... فتنقلب موازين العراك وأسلحته، ويتحول الأمر من قبول أو رفض للاجتهاد السياسي؛ ليصبح إيمانا بالله أو كفرا به، ودعما للإسلام أو طعنا فيه.
فهمي هويدي
يفضح المستور
عباد الله: امضوا إلى حقكم وصدقكم وقتال عدوكم، فإن معاوية وعمرو بن العاص (وذكر أسماء أخرى) ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، أنا أعرف بهم منكم، قد صحبتهم أطفالا وصحبتهم رجالا، فكانوا شر أطفال وشر رجال، ويحكم، إنهم ما رفعوا المصاحف لكم إلا خديعة ودهاء ومكيدة.
Bog aan la aqoon
علي بن أبي طالب
يقرر أول حقوق الإنسان
لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة . (المائدة: 48)
تأسيس
لا شك أن عوامل متعددة تقف من وراء التمسك العنصري بالجنس والدين والجذور القومية، ذلك التمسك الذي يتمثل في حنين حاد للماضي، جاء كرد فعل طبيعي إزاء فترة طويلة من الاحتلال الأجنبي، مع ما أنبأت به مرحلة ما بعد التحرر الوطني من فشل مشاريع التحديث، وإقامة مجتمعات عصرية، وما لازمها من فشل آخر منيت به التوجهات العلمانية في إيجاد مرتكزات جماهيرية لها، وهو بدوره ناتج عن أسباب ليس هنا مقام مناقشتها، أما العامل الأساسي في ذلك التوجه الكاسح نحو الماضي، فهو وجود الدولة الصهيونية على التراب الوطني، وما يشكله هذا الوجود من خطر وتهديد مستمرين، وجرح غائر نازف دوما في الكرامة الوطنية والقومية، ولا نزاع في أن قيام الدولة الصهيونية على أسس عنصرية جنسية قومية تتمثل جميعا في الدين، كان دافعا للتوجهات نفسها في بلادنا، خاصة مع مقارنة أحوالنا بأحوال الدول المتقدمة؛ ومن ثم نزعت الجماهير - وفق خطط وبرامج معدة سلفا - للعنصرية القومية والجنسية التي تم تشخيصها جميعا في الإسلام، ليصبح دين الإسلام هو الوطن وهو الجنس، الذي يجمع كل المسلمين على اختلاف أوطانهم وأجناسهم، من باب توسعة حجم المجابهة البشرية مع إسرائيل، وربما مع العالم المتقدم، بتحالف كل المسلمين - على اختلاف مصالحهم الوطنية ومصالح فئاتهم الاقتصادية - مع الله ليصبحوا كما كانوا قديما شعبه المميز، وخير أمة أخرجت للناس في مقابل شعب الله المختار وبني إسرائيل الذين فضلهم على العالمين، ولتمرير المخططات الاستراتيجية للتحالف الإمبريالي عبر توحد مزعوم في مؤتمرات ومجالس، تؤدي في نهاية المطاف إلى مزيد من قمع الجماهير وترد للأنظمة، بحيث ننتهي إلى مقلب نفايات الأمم الغوابر.
وبهذا المنطق السائد يتم إغلاق الدائرة، وتصبح خصوصيتنا العرقية الجنسية القومية أدلوجة دينية، تجد تنظيراتها في مكتباتنا المزدحمة بما يطلق عليه ذلك الاصطلاح المجازي «التراث الإسلامي». بينما تصبح أي محاولة مخالفة، هي ابتعاد عن الاعتصام بحبل الله، وابتعاد عن صالح سلفنا وتنظيراته، وسقوط في مزيد من الانحطاط.
ومع الإحساس - المتنامي دوما - بالدونية والتقزم واليأس المطبق عن اللحاق بعالم اليوم، تنعكس المشاعر لتحول الدونية إلى الطرف المقابل؛ لإيجاد نوع من التوازن النفسي، فتتضخم الذات، والثقافة القومية، والأصل، والماضي، حتى نصل بها إلى أقص الطرف الآخر، بنرجسية واضحة، بل وفصامية، فنستخدم أحدث المنتجات العلمية الغربية، ثم نبرر لأنفسنا الوجه الآخر من الفصام العاجز، بالأزمة الروحية والاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها العالم المتقدم بشقيه، والتي لا بد أن ترجع أسبابها - وفق هذا المنطق المريض - لأخذ الغرب بالعلم البشري وحده، مع التشكيك الملح في قيمة ما أنتجه العقل البشري، وفي إمكانات هذا العقل.
ولا يبقى - مع التكاسل عن بذل الجهد، ومع اليأس - سوى الخلاص اليسير والسهل، بالتوجه نحو الماضي التليد؛ نرأب فيه صدعنا النفسي، دون حلول حقيقية على المستوى الواقعي، وإبان ذلك نخرج الشحنات مريضة وعشوائية، في تطرف هنا، وقمع من هناك، والغريب أنه لا يخفى أن كلا من التطرف والقمع يلقي دعما عجيبا، ماديا ومعنويا، يصل إلى درجة التحالف المباشر، أما الأعجب فهو أن الدعم لكليهما يأتي جميعه من مصب واحد، وإن اختلفت روافده!
ومع التخبط لحظة السقوط تبرز عدة شعارات تترجم توجهات أصحابها، تتواتر وتتزايد وتزايد، ما بين شعار الاستقرار الوطني، وبين مجموعة شعارات تجمعها حزمة واحدة، من قبيل العودة للتراث، العودة للجذور، العودة للأصول، لكن الواضح الغالب أن تلك العودة كانت غالبا للحصول على بعض من فيض البترودولار، وللعثور على لحية ومسبحة وجلباب قصير مع مناوشات عشوائية مع أصحاب شعار الاستقرار؛ وهي مناوشات في النهاية لا تغني ولا تشبع إلا أصحاب السيادة والسلطان، مع مزيد من تبرير توجهاتهم القمعية التي لا تنال في الحقيقة وفي الهدف سوى القوى الوطنية الحقيقية.
ولا نرتاب لحظة في شكنا في نوايا التوجهات الإعلامية الرسمية، وسعيها الدءوب لوضع الدين على قمة الهرم الفكري لمنتج الأمة الثقافي، الذي كونته خلال تاريخها الطويل، بحيث يظهر الدين وحده، والإسلام تحديدا، كما لو كان هو تراث أمة العرب ومنتجها الفكري الوحيد، وأدلوجتها عند التطبيق، وكل ما في الأمر هو انتظار تحقيق مناخ مناسب لتحويله من نظر إلى عمل، ومن قوة إلى فعل.
Bog aan la aqoon
وتتم معالجة الدين بحيث يبدو دوما كسلسلة من الإحداثيات الإعجازية التي لا ترتبط بالواقع بحال، بحيث تبدو الأجهزة الإعلامية كما لو كانت المعبر الصادق عن ضمير الجماهير التي تم النفخ في نيران عنصريتها سلفا، ومن جهة أخرى يستوعب ذلك الإعلام الموجه تلك التوجهات، ويوظفها بعيدا عن أية علاقة بالواقع الراهن، ولا حتى الماضي، بغض النظر عما يمكن أن يؤدي إليه هذا المنهج من مزيد من التردي والسقوط.
وكما هو حادث ومشاهد، ينجم عن وضع الدين كإحداثيات إعجازية، تخرق نواميس الواقع ومنطق الطبيعة وقوانين التطور الاجتماعي، تسلسل آخر للبحث عن معجزات جديدة، كانت مستبطنة فيه، مع انتظار راكد بليد وسقيم لخلاص سماوي وإعجاز علوي يتدخل مباشرة؛ ليحل لنا أزمتنا ويعيدنا إلى عصر الفتوحات؛ فنحمل السيوف، تتقدمنا جيوش الملائكة. فقط على الجميع أن يلتزم الفروض والسنن بكافة دقائقها من الصلاة حتى المسواك، وبدءا بطاعة الله وانتهاء بطاعة أولي الأمر منا.
ولا يجد بعض فقهاء المؤسسات الحاكمة بأسا من تضخيم تلك النرجسية الفصامية، بالتفتيش في التاريخ القبلي والإرث الروحي عن غابر الأمجاد، بإصرار لا يفسره إلا القصد والرغبة في تأكيد زرع العصاب المرضي في الجماهير، وبخاصة لدى فئة أنصاف المثقفين؛ حتى يصل الشعور القبلي ذروته، في تصنيف العلوم حسب طائفة مبدعيها الدينية، وإقامة مؤتمرات العلوم الإسلامية بصنوفها، التي تتم بتشجيع ورعاية ودعم المؤسسات الحاكمة، وتفتتح بكلمات ميمونة من أصحاب المعالي، ويصرف عليها ببذخ، وبدعم لم تنكره الحسابات المعلنة للمؤسسة المخابراتية الأمريكية! وبإلحاق كافة العلوم بمصدر سماوي، يصدر التأكيد بعجز العلم البشري وقصوره، وينتفي دور العقل الذي أنتج تلك العلوم خارج حدودنا العصماء، وإبان ذلك يتم تسفيه ذلك العقل وتلك العلوم، كلما تصور المتعالم التلفازي، ذو العلاقات المعلومة والرائحة المميزة، أنه قد عثر على ثغرة في ذلك العلم، في غفلة من كل علماء الدنيا، ثم لا يجد مناصا بعد كشف الثغرات والنفخ في النعرات، من إحالة شبابنا عن كتب الكيمياء والفيزياء والاجتماع والتاريخ، والسياسة خاصة ... إلخ، إلى كتاب الله وحده الذي يشمل كل ما تم الكشف عنه وما لم يكتشف بعد، دون أن يكلف سيادته نفسه مرة واحدة بالكشف عن نظرية علمية واحدة من كتاب الله، قبل أن يكتشفها علماء الدول المتقدمة الكافرة بعقولهم القاصرة.
ووسط هذا الضجيج الصاخب، تطفر هناك، وتطفو هنا، أعمال لكتاب مهمومين، ينادي بعضها بالعمل السريع لتجاوز التاريخ العبء، الذي يفرش ظله السحري الماضي على حاضرنا ، فارضا الاكتفاء به كمثل لا يصح تخطيه، بينما ينادي بعضها الآخر بإعادة كتابة التاريخ، بغرض تنمية قدراتنا على صنع تاريخ جديد، هذا بينما اتجه آخرون - عمدا - للانتقاء من التراث جانبه المشرق المضيء الذي يتناغم مع أدلوجتهم وأسلوبهم في حل مشكل واقعنا، إلا أن المحبط في تلك المحاولات الأخيرة، التي قدمها مفكرون ذوو شأن يقعون من جيلي موقع الأساتذة والرواد، هو أن بعضهم - وقد حدث - يتراجع فورا عندما ينافره المفسر التلفازي اللوذعي. أما بعضهم الآخر الذي استعصم بمبدئه وقدرته على المنافرة، فقد طرح بالفعل محاولات جادة، بل وعظيمة وصادقة النوايا. لكنها جاءت خطابا مترفا ومتخصصا، يتوجه بأسلوبه وإغراقه في استخدام الاصطلاحات، وتضلعه بما لديه من تراكم معرفي ومفهومي - لنخبة من المثقفين القادرين على تناوله، إضافة إلى كون هذه المحاولات العظيمة جاءت في شكل أسفار ضخمة وهائلة كما وكيفا، نزعت - لطبيعة موضوعات بحثها - نحو الإطالة المفرطة؛ مما جعلها بعيدة عن متناول الإنسان العادي، لا في حجمها وما يتطلبه درسها من وقت يقتطع من يوم العمل الشاق، ولا في أثمانها التي نأت بها عن أيدي أصحاب المصلحة الحقيقيين في تناولها، فظلت في أيدي المجموعة المترفة، والمتخمة بالثقافة أصلا؛ لتمضغ كلماتها في مسامرات فكرية وندوات ديوانية.
أما الأخطر في رأينا - دون أن نحدد أو نفتح صراعا جدليا مع مفكرين نحترمهم ونرجو استمرارهم - هو أن تلك الكتابات الجادة والعلمية استمرت تستمرئ الجلوس تحت مظلة الماضي السحرية، تستمتع برطب مناخه، وسهولة تناول مادته العلمية - على غزارتها - مع بعض الأمان، وربما كل الأمان إن لزم ظرف يلزم بالتراجعات. وعليه فإن أساتذتنا هؤلاء عادة ما نظروا إلى تراث الأمة بحسبانه ذا مبتدأ زمكاني محدد، فقد تحدد مكانيا بأرض الحجاز في جزيرة العرب «وهنا العروبة»، وتحدد زمانيا مع لحظة التواصل بين السماء والأرض عند ابتداء الوحي القرآني «وهنا الإسلام»؛ ومن ثم فإن التراث يبدأ من تلك اللحظة في ذلك المكان، ويتحول فيما بعد إلى تراث لكل الدول التي خضعت للفتح الإسلامي، باعتباره تراث الفاتحين، مع قطع شعوب هذه الدول عن تراثها القديم، بحسبانه كفرا أو مروقا وعبادة لغير الواحد القهار، أو بالتعبير الطريف: إن كان يخالف القرآن فليحرق لأنه رأي مخالف أي كفر، وإن كان يوافقه، فلا داعي له لأن لدينا القرآن، وليحرق!
وبعض هؤلاء الباحثين لم يبعد عن لحظة تدوين التراث الإسلامي أكثر من بضع سنين قبل الإسلام، ولم يتحرك خارج الحاجز العربي الإسلامي المكاني، أما من عمد منهم إلى ما قبل ذلك خلال حقب الإمبراطوريات القديمة في حوض المتوسط الشرقي، فقد وضع نصب عينيه «عربنة» ذلك التراث، وسحب المصطلح العروبي عليه جميعا، من باب أنه كان روافد متعددة لصيغة واحدة، هي صيغة الشعوب السامية، ومعلوم أن للمنهج العلمي في هذا النزوع للإثبات والغرضية المسبقة موقفا معلوما.
لكن ما قلناه لا ينفي أن تلك البحوث الرائدة قد طرحت - وربما لأول مرة - ذلك التراث على مائدة المنهج العلمي، وعالجت ظرفه الموضوعي، بحيث نزعته من مفارقته وفضائيته لتربطه بواقعه وبزمنه وبظرفه، كما تضمنت محاولات ابتدائية لتحديد هويتنا في مقابل الآخرين، مع تأصيل هذه الهوية بربطها بجذورها الماضوية، كما أبانت لنا عن مدى وعينا بالتاريخ، ومدى علميتنا في تناول هذا التاريخ، وكم وحدات التذكر التاريخي لدينا، إضافة إلى إجابات متباينة عن تساؤلات عما يجب إلقاؤه من التراث وعما يجب الإبقاء عليه؟ وهل نعيد كتابة التراث أم نكتفي بقراءة ما يصلح لواقعنا فيه؟ وهي في النهاية تلقي الضوء على الاصطلاح العروبي، وهل تسمح مساحته بتغطية كافة شعوب الأمة بحسبانها أمة واحدة؟ أم مجموعة شعوب ارتبطت بالعروبة رغم خصوصية كل منها، أم مجموعة شعوب لا يجمعها سوى اللسان العربي؟ أما الأهم من كل هذا، فهو أنها بتناميها ووجودها على الساحة الفكرية، قدمت إصرارا على نفي العدمية التراثية، كما أدت في مجموعها إلى معنى مهم هو: أن أي تراث لأي مجتمع لا يمكن أن يتطور دون توارث، والتراث هو - لغة - إرث موروث عن الأسلاف، تركوا لنا فيه ناتج خبراتهم ومعارفهم؛ لنصل إلى أن التراث كموروث، متطور وفاعل ومنفعل دوما، أي إن الناس هم صناع ذلك التراث، يصوغونه وفق ظروفهم وحاجاتهم، وأن أية نقلة تطورية على سلم التراث لا بد أن تسبقها نقلة على الدرجة الأدنى، ويستحيل دونها الوصول للدرجة الأعلى، أو بمعنى آخر أن أي تطور ثقافي لأي مجتمع لا يمكن حدوثه إلا على أسس وأعمدة ثقافية سابقة. كما لا يغيب عنا أن ذلك التطور كما جاء رأسا صاعدا على تلك العمد القديمة، فإنه أيضا كان يقوم إبان ذلك التطور الرأسي بتوسع أفقي يفجر فيه - مع كل نقلة - الأسوار والتحديدات القديمة، من أفكار ومعتقدات لم تعد مناسبة لاحتواء الظرف التطوري الجديد، ولم تعد صالحة كوعاء مناسب للتراكم المعرفي المتزايد، ولم تعد صالحة لمعالجة إشكاليات مستجدة لم تكن معروفة من قبل، ويفرضها التطور الجديد للأشكال الاقتصادية والتنظيمات الاجتماعية.
وعليه، فمن الضروري أن نحدد زوايا رؤيتنا وموقفنا من مفهوم الثقافة والتراث، فالتراث لدينا - حسب المنطق العلمي - هو ناتج تراكمي كمي وكيفي لخبرات طويلة، تعود إلى بدء استقرار الإنسان على الأرض وارتباطه بها، وأن هذه الثقافة ناتج تفاعل جدلي داخل هذا المجتمع. وبينه وبين بيئته الطبيعية، وبينه وبين المجتمعات الأخرى، والثقافات التي تتيح لها الأحداث أن تتماس مع ثقافته، عبر تطور زمني، يشكل في النهاية منظومة فكرية، تندرج في إطارها مفاهيمه الاجتماعية، وتتشكل في ضوئها أنماطه السلوكية.
وإذا كان معلوما أن أشكال التنظيمات الاجتماعية، والتشكيلات الاقتصادية، والأشكال السياسية، تتغير وتتفاوت سماتها داخل المجتمع الواحد، بتفاوت الأزمنة وبالتراكم المعرفي المستمر والخبرات المستجدة؛ نتيجة عوامل شديدة التعقيد، كثيفة الروافد، فإن ذلك لا ينفي أبدا أن هذه العوامل مجتمعة تشكل بنية ثقافية ذات تميز وخصوصية، تطبع العقل الجماعي بسماتها، ويتخذ مواقفه المصيرية على أساس منها، وبتأثيرها اللاواعي على أساليب تفكيره أحيانا، بل إن أكثر مكونات البنية الثقافية إيغالا في القدم، يظل حاضرا في قوامها، وإن تفاوت هذا الحضور بين السفور، وبين التخفي داخل أنسقة جديدة، ويتخذ لإثبات وجوده أشكالا متعددة متباينة، حتى يمكن القول بتأثير مثل تلك العناصر الثقافية بالراسب الثقافي في خيارات الجماهير السياسية.
ومن هنا كنا دائما على اقتناع بأهمية دراسة التراث القديم، ودوره الفاعل، والوجوه التي يكشف فيها عن نفسه اليوم، وقدمنا في ذلك بعض البحوث الحذرة، التي تقوم على اعتبار أن التراث ليس مرحلة بعينها، ولا يقتصر على نسق بذاته، إزاء ما لاحظناه من إهمال الباحثين للتراث القديم، كما لو كان مرحلة ميتة، منتهية، منقطعة الصلة بالحاضر؛ مما أعطانا انطباعا عن سريان اقتناع بانفصالية في تاريخنا، بين مرحلتين لا علاقة بينهما: ثقافة الحضارات «المندثرة!» وبين ثقافة الحضارة العربية الإسلامية.
Bog aan la aqoon
وبما أن الحضارة العربية الإسلامية ما كان ممكنا أن تبدأ من الصفر، فلا بأس - عند الباحثين - من الرجوع إلى أسسها في فلسفة اليونان، وإذا كان لا بد من الاعتراف بأن لها صلة بالحضارات القديمة في المنطقة، فهي صلة قد انبنت أساسا على أساطير كانت عوامل سلب في الحضارة العربية الإسلامية، وشكلت دعوة إلى نزعات صوفية وغنوصية، ولا معقول، وهو الجانب الذي ينبغي شطبه من تاريخ الفكر العربي الإسلامي؛ ومن ثم تتأرجح الأحكام بالعقلانية في المسافة الشاسعة، الواقعة ما بين الأشاعرة والقرامطة، أو بإصدار الحكم بالمعقول الإبستمولوجي على مجموعة علوم تبدأ بالطب، وتنتهي بالفقه، في خلطة لا يجمع بينها سوى أن منتجيها كانوا مسلمين، بينما تستبعد كل الخبرات القديمة وثقافتها إزاء البحث عن المعقول؛ لأن هذا القديم لا هو عربي ولا هو إسلامي ولا هو معقول، بينما المطلب الواضح لدى الباحثين هو التأكيد على ثقافة مشتركة معقولة، تستند إليها أصالتنا إزاء العصر، ويبدو أن هذه الثقافة لا بد أن تكون عربية، وهو ما يستدعي بالضرورة أن تكون إسلامية، رغم أن هذه الثقافة يمكن أن تجد لها أسسا في التراث القديم المنعوت بالأسطورة، ذلك التراث الذي يملك - إذا درسناه بصدق - من القرائن ما يبرهن على أنه كان عامل تواصل دائم في المنطقة الشرق أوسطية.
ولا يفوتنا هنا الأخذ بعين الاعتبار المقصود بمفهوم «العقلانية والمعقول» مقابل «اللامعقول» الذي يطرحه بعض الباحثين، وهل هو مفهوم مجرد قائم بذاته؟ أم أنه حكم تأسس على ملاحظة الواقع وارتبط بوقائع محددة، وما أدى إليه تفاعل هذه الوقائع ليتكون لدينا معيار لمعنى المعقول؟ ثم أي معقول نقصد؟ وهل تصح أحكامنا بالعقلانية من عدمها على نصوص قديمة، معزولة عن سياقها، وزمنها، ومجتمعها، وحدثها؟ ودون فهم من جانبنا للغة هذا القديم وخصوصية لغته، ولا نقصد بالطبع باللغة الكلام المنطوق أو المكتوب، إنما نقصد النسق الشامل الذي استخدمت فيه الكلمات كأدوات للتعبير عنه، والترتيب النسقي لهذه التعابير وعلاقتها بأنماط التفكير، وأساليب توصيل المعاني والرموز، ومفهوم البلاغات وجمالياتها عندهم، ثم علاقة هذه اللغة بفهمهم للكون والقوى الغيبية، وعلاقة كل هذا بالبنية التحتية بكل متشابكاتها. وكل هذا لا شك كان محكوما بقواعد وقوانين، وإلا ما أفرز تلك الحضارات التي ما كان يمكن للعشوائية إفرازها، لكنها قواعد وقوانين ذات لغة خاصة يجب أن نفهمها في إطار الحدث الاجتماعي والسياسي، والشكل الاقتصادي، والعقدي، ويحتاج منا إعادة نظر في مفهومنا للعقلانية، عند دراسة تلك النصوص القديمة. (1) معنى الأسطورة
وإعمالا لذلك تأتي قيمة دراسة الأساطير في تراثنا القديم وأهميتها، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من تراثنا، وهي الجانب الذي لم يحظ بأدنى قدر من الاهتمام، إزاء صدور الحكم المسبق عليه باللامعقول الذي ينبغي شطبه من تاريخنا، قبل درسه الدرس الكافي لإصدار مثل هذا الحكم، وربما جاز لنا هذا الشطب، لكن بعد الدرس الكافي وليس قبل ذلك، وإذا كان المفكرون في بلادنا قد تأخروا كثيرا في إدراك أهمية دراسة التراث وتناوله بالمنهج العلمي، وإذا كان ثمة إهمال واضح لمن لديهم إمكانية الاضطلاع بهذه المهمة، فإن إلقاء التراث القديم في سلة مهملات التاريخ سيكون جريمة لا تغتفر بكل المقاييس، سواء أكانت تلك الدعوة مقصودة أم بحسن نية، من حيث كونها تسهم في قطع الحبل السري لهذه الأمة برحمها الأصيل، وربما جاز القول: إن قطع الحبل السري يعني نضوج الوليد وخروجه لحياة جديدة وحقيقية، لكن هذا القطع سيكون في هذه الحال قطعا لجذره الرءوم، الذي يمكن لو بقي - على الأقل للفحص والتحليل - أن يكشف لنا عن أوجه الوراثة الجينية، وملامح التشابه الأصيل، وما إذا كان التوريث سائدا أم متنحيا.
والواضح أن الباحثين في تراثنا لم يهملوا القديم من هذا التراث إلا لأنه أسطوري، ولم يهملوا الأسطورة إلا لأنها تعنى بالخرافات واللامعقول وأقاصيص الآلهة. وواضح أيضا أن هذا الفهم لم يتأت بعد درس صادق وعميق للأساطير والتراث القديم، قدر ما انبنى على حكم تأسس على فهم شائع عن الأسطورة كخرافة وتلفيقات بدائية لا أساس لها، ولأن العرب احتسبوها أباطيل، ولأن الأديان الشرق أوسطية الكبرى قد اعتبرتها نوعا من العقائد الباطلة. هذا بالطبع مع ما درج من مفاهيم أنتجها معنى المصطلح القرآني عن الأسطورة، واحتسابها من خرافات الأولين، وربما ساعد على ذلك الإهمال البعد الزمني ما بين التراث القديم وبين اليوم، وتصور عدم إمكان التأثير عن بعد، أو إمكان بقاء موروث ذي قيمة مؤثرة في حياة أناس اليوم، هذا ناهيك عن الوهم المستبطن غير المعلن والناشئ عن مفاهيم تراثنا الإسلامي، والذي يصل إلى اقتناع بانقطاع تام لدى شعوب المنطقة مع ماضيها القديم، بحيث لم يبق لها غير العروبة والإسلام، ولا يصبح لمصر تاريخ أو شعب، فمصر ليست سوى فرعون واحد طغى وتجبر وغرق في البحر مع قومه المجرمين، وانتهى الأمر. وإذا اكتشفت بعد ذلك في الأمور أمور، فهي أمور تتعلق بقوم ضالين وعبدة للأصنام، وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على القرى العربية القح، التي ذهبت في طوايا الغابرين، من عاد إلى ثمود ... إلخ، والأمر نفسه الذي ينطبق على الفلسطينيين وزعيمهم الكافر جالوت «جوليات»، بعد أن أورث الله أرضهم لبني إسرائيل، ولم يبق من كل تلك الأقوام إلا الذكرى المستحب فيها الاستعاذة وصب اللعنات ابتغاء الثواب.
ومن هنا جاء اهتمامنا بالأسطورة وبدراستها، ضمن دراستنا للتراث، بحسبانها من أهم أعمدته، وقد بدأنا ذلك بمجموعة بحوث نشرت تباعا، يجمع كتابنا هذا اليوم أهمها. والطريف أني بعد نشر كتابي «أوزيريس وعقيدة الخلود في مصر القديمة» لقيت كثيرا من الاستحسان من الكتاب المهمومين بدراسة التراث، وعبر بعضهم عن انبهاره بهذا التاريخ القديم، وأبدى استهجانه لإهماله كل هذا الإهمال، لكن هؤلاء «البعض» انتهى الأمر عندهم بمجرد إبداء الإعجاب بالتراث القديم، وعاد كل منهم لدراساته بالمفهوم الكلاسيكي العربي للتراث، دون هم حقيقي، رغم أن الدراسة العلمية لهذا القديم يمكن أن تكون من أمضى الأسلحة في الصراع الفكري الدائر الآن.
والأساطير (
Myth Mythos ) هي في الفهم الكلاسيكي مجموعة خرافات وأقاصيص، وهي اشتقاق من «سطر الأحاديث». وموضوعها - إضافة للآلهة - يتناول الأبطال الغابرين وفق لغة وتصورات وتخيلات وتأملات وأحكام تناسب العصر والمكان اللذين صيغت فيهما، وشكل الأنظمة، والمستوى المعرفي، وهي في الوقت نفسه تشكل ثقافة عصرها، بحيث تبدو ذات خصوصية تربطها ببيئتها ومجتمعها، بحيث يمكن من خلال دراستها استقراء التاريخ الأصدق لزمنها ومكانها.
وعادة ما نجد في الأساطير مشاعر إنسانية جياشة، وأحاسيس، وتصورات، ومواقف، تطلعنا على فلسفة الإنسان في الوجود، وعلى محاولاته الفكرية الأولى، التي تتضمن خلاصة تجاربه وماضيه، وكيف كان يستنتج من هذه التجارب منطقه ومفاهيمه وتعامله مع واقعه، وفق منطق خاص، ووفق مضامين أخلاقية، تمت صياغتها في قوالب أدبية ذات خصوصية، توارثتها الأجيال، وعدلت فيها، وأضافت إليها؛ مما جعل الأسطورة محل عمل دائب لا يتوقف، فهي حفرية حية. ورغم كونها تأكل بعضها بعضا، وتتناسخ، وتتكرر، إلا أن لها تاريخا حيا يمكن قراءته في تفاصيلها التكوينية، إذا بذلنا الجهد اللازم للتعامل مع كائن حي يعيش منذ ألوف السنين، بما دخل عليه من تبدلات وتغيرات خلال تلك السنين، وبشرط أن نملك المنهج المناسب، والأدوات اللازمة لقراءة كل حركات وسكنات هذا الحي العظيم والعريق.
وعليه فنحن نرى الأسطورة تسجيلا للوعي الإنساني واللاوعي في آن معا، وأنها أخذت مسارا تطوريا بطيئا، استثمرت أثناءه مبدأ لا يزال بحاجة لتفسير، لكنه قائم، وهو أن كل عنصر من الماضي يفرض نفسه وتأثيره على الجماهير بقدر لا يقاوم، ولا يقف أمامه أي اعتراض منطقي، وحتى اليوم، وبعيدا عن نطاق السلوكيات الدينية وطقوسها وعقائدها، يمكننا أن نجد مظاهر سلوكية لا معقولة ولا مبررة، ولا يبقى لتفسيرها سوى البحث في جذورها بحسبانها أحد مظاهر ذلك الحفري الحي، الذي كان يصر على الاستمرار. وعندما كان يستشعر أنه سيتبدد تحت وطأة عناصر ثقافية أخرى أقوى منه، كما حدث في المرحلة التي بدأ الدين يفرض فيها سيادته على الفكر، فإنه كان يتخفى في أردية دينية تتلاءم مع المستوى المعرفي الجديد.
وكناتج لرحلتنا مع الأساطير القديمة يمكننا المجازفة بالقول: إن الأسطورة وإن اشتملت على أحلام وانفعالات وتصورات وأخيلة، فإنها اشتملت أيضا على حقائق يمكن أن تنكشف بوضوح إذا عرفنا كيف نفسرها بعد ربطها بشرطها التاريخي، ومكانها في النسق المعرفي لزمكانها، وقد دعمنا تلك الرؤية بما كشفنا عنه في كتابنا «أوزيريس ...» وكيف عبر المصريون زمانها عن تحولهم التاريخي بأسطورة، بل وغيروا واقعهم الاجتماعي والسياسي، بأيديولوجيا تمت صياغتها لتحقيق أهداف ذلك التغيير في صياغة أسطورية، بحيث كانت الأسطورة هي الجانب النظري، أو النظرية الثورية لتثوير المجتمع حينذاك، كذلك عثرنا على أنسقة أسطورية يتضمنها الكتاب الحالي «الأسطورة والتراث» تشتمل على تسجيل تاريخي لأحداث وقعت فيما قبل التدوين، تناقلتها الأجيال المتعاقبة. وهي تؤمن تماما أنها كانت وقائع حدثت.
Bog aan la aqoon
وعليه، فإن قراءة التاريخ القديم دون الأسطورة أمر غير تام العلمية، باحتسابنا الأسطورة السجل الأمثل للفكر وواقعه في مراحله الابتدائية، عندما كان يحاول تفسير الوجود من حوله، ويحاول قراءة الواقع الاجتماعي وتغييره ... هذا بالطبع مع ما تنقله لنا الأسطورة من بصمات وانطباعات النفس الجماعية عليها. ونقول جماعية لأن الأسطورة لا يمكن لأحد أن يدعي حق تأليفها. فهي مجهولة الأصل والمؤلف - بل وأحيانا - المنشأ والتاريخ، ناهيك عن كونها ثقافة أجيال متعاقبة، ظلت تجرح فيها وتعدل، هذا مع عالميتها التي وضحت في قدرتها المبهرة على الانتقال عبر حدود المكان والزمان، وإمكاناتها الهائلة على التكيف خارج وطنها وبعيدا عن زمنها؛ لتظل حية لدى شعوب مخالفة تتبناها في أزمنة مخالفة.
وعليه يمكن الاستفسار: هل جاء الإسلام المرتبط بالعروبة بالضرورة، بقطيعة معرفية مع الأسطورة، حتى يمكن القول، مع القائلين: إن هنا المعقول ودونه لا معقول، ونجعل من تلك المصادرة مبررا كافيا لإهدار الأساطير القديمة لأنها اللامعقول؟ هنا - لا شك - سيجد أصحاب تلك الرؤية عسرا شديدا في قياس مواضيع إيمانية بحت - لا شأن للعقل بها - على ما اتفق الاصطلاح عليه بتعبير المعقول، مثل تحديد موقع حادثة الإسراء والمعراج من هذا المعقول، وهل نرفضها بمنطق رفض اللامعقول؟ أم نبقي عليها بمنطق الإيمان؟ أم أن النوع القديم من اللامعقول هو محل التجرؤ والعنترية؟ ثم كيف نصنف دابة البراق - التي حملت الرسول
صلى الله عليه وسلم
من مكة إلى القدس - تصنيفا علميا يضعها ضمن فصيلتها الحية، وكيف نحدد تحديدا دقيقا أمة يأجوج ومأجوج بين الشعوب، وتحديد مواطنها، وهي أمة يتحدد معها مصير العالم، ويجب اتخاذ مواقف مناسبة إزاءها (بالمعقول؟) ثم لا شك أن أي مؤمن وأي شاك ستطيب نفسه إن تمكن من تفسير الحكمة الإلهية في إهلاك شعب مقابل ناقة تلدها صخرة!
كما لا جدال أن إيجاد تفسير معقول لإفناء قوم نوح في ضوء المعقول الآني الذي يفرض حرية الاعتقاد، سيكون مريحا لكثير من النفوس الحيرى والقلقة، وغير ذلك كثير لا يغنينا زيادة السرد بشأنه شيئا؛ لأنه ليس موضوع عقل، إنما كما قلنا هو موضوع قبول أو رفض، موضوع إيمان؛ مما يشير إلى أن سمة اللامعقول في بعض تفاصيل الأساطير القديمة لا تسلبها الحق في احترامها ودراستها، وربما كان الأمر الأهم من سردنا أمثلة أخرى، الوصول مباشرة للإجابة على السؤال الأخطر، الذي ربما كانت الإجابة عليه هي الأكثر علمية وإنصافا، هو: كيف تحول الحدث التاريخي في صدر الإسلام إلى حدث أسطوري، إبان تواتر الوحي في عهد النبي
صلى الله عليه وسلم ، والزيادة الهائلة والمكثفة في أسطرة الوقائع عند تدوين التراث الإسلامي في سجلات الإخباريين؟
لا شك إذن أن إهدار التراث القديم، دون بحثه، وبحث ظرفه الموضوعي، وإصدار أحكام قبلية عليه وعلى من قبس منه من فلاسفتنا، ليس من العلمية في شيء (وهو النموذج الذي رأيناه لدى باحث مقتدر، وجد غاية لذته العقلية في سلب ابن سينا كل ميزات منتجه الفكري وتسفيهه كل التسفيه، بحسبانه متأثرا بذلك القديم اللامعقول، دون أن يهتم سيادة الباحث بما دون الجانب المعرفي وحده، ودون أن يخفى على باحث مثله، أنه بالإمبستولوجيا وحدها يمكن إثبات الأمر ونقيضه في آن معا)؛ ومن ثم يمكننا القول: إنه بالتزام كل شروط العلمية في البحث، يمكن أن نعثر في القديم على كثير مما يفيد قراءتنا لتراثنا وحاضرنا قراءة صحيحة، بالضبط كما نبحث عن العوامل الموضوعية لحدث ديني، ونترك اللاموضوعي فيه موكولا إلى جانب الإيمان، دون أن نكون قد ارتكبنا خطأ في حق العلم أو في حق الدين. ولذلك فإن اهتمامنا بالتراث القديم، يعود في المقام الأول إلى احتسابنا ذلك هو الطريق الممكن للوصول إلى جذور كثير من الاعتقادات التي توجه فكر وسلوك إنساننا اليوم، وربما تعديل ذلك السلوك، إضافة إلى ما يحمله هذا المنهج من إمكانات عدم الاصطدام مع عنصر الإيمان؛ لأن مساحة الحرية المتاحة في مناقشة القديم، بحسبانه ليس محل إيمان وإن كان محل تشابه، لا يضع الباحث وبحثه في محل تشكيك، ويعطيه قدرا من حرية الحركة، والبحث، والقول، مع ضمان عدم تمكن الطرف الآخر في الصراع الفكري، من استخدام أسلحته التقليدية في قمع البحث والمصادرة على القول، بل وربما في شل فعاليات تلك الأسلحة التقليدية نفسها.
وهنا يبدو واضحا أن ثمة علاقة من نوع ما بين الأسطورة والدين تطلب تحديدا وتوضيحا. ولأن حديثنا عن التراث القديم، فسيكون من الدقة الإشارة إلى أن ذلك التحديد والتوضيح سيتركز على الأديان الابتدائية، التي وصلت أوج القوة مع ظروف اجتماعية واقتصادية بعينها لم تعد الأسطورة تفي بمطلب مواكبتها؛ مما أدى لتجلي الدين كبديل معرفي أشمل وأقدر على المعالجة المعرفية، وحل إشكاليات مستجدة لم تعد الأسطورة كافية لحلها ومعالجتها، إضافة للعنصر الجديد الذي تلبسه الدين، ليتميز عن الأسطورة. فبينما كانت الأسطورة بعيدة تماما عن الفردية، وغير مفروضة، فيحق للناس تصديقها أو رفضها، والعمل بشروطها أو بشروط أخرى، فإن الدين جاء بدوره بفعل ظروف موضوعية، لكن دخل فيه الجانب الفردي واللمسة العبقرية لأشخاص بعينهم، بعد أن أصبح توجيها مخططا ومبرمجا عن وعي من فئة متميزة في المجتمع في مراحل تطوره التالية؛ نظرا لطبيعة منشئه وعلاقته بتلك النشأة، كان لا بد أن يتجاوز الأسطورة ، من حيث كونه أداة قمع، ليصبح اعتقادا مفروضا، وليظهر مفهوم الإيمان والكفر، وما يتبع ذلك من إنعام أو حرمان.
وفي كل ما اهتدينا إليه من كتابات بشأن علاقة الأسطورة بالدين، وجدنا شبه اتفاق على أن الدين الابتدائي في ظهوره مثل الأسطورة، نشأ نتيجة الجهل المعرفي، والأمل فيما هو أفضل من الحادث فعلا، مع بعض الخيال اللازم بالضرورة عن الجهل والأمل، وهي أمور ناتجة عن ضعف العلوم الطبيعية، والتصور الثنائي للكون ما بين روح أو عقل أو نفس، وبين مادة جامدة لا تفعل إلا بالفعل أو الروح. وهو بدوره ناتج ضروري عن تقسيم العمل إلى يدوي وذهني، وهذا أيضا ناتج آخر في سلسلة الأسباب والنتائج عن الانقسام الطبقي، ودور الطبقات المستغلة في إشاعة هذه التصورات ودعمها، ومنحها التفرغ الكافي لحكماء، يؤدون دور المنظرين المبدعين - شكلوا فيما بعد طبقة الكهان والعرافين، ثم رجال الدين - لتعميق تلك التصورات وإدامتها وإلباسها ثوب الإقناع والاستمرار.
هذا ويذهب نفر من علماء الميثولوجيا إلى أن أول الأعمال الأدبية الأسطورية ولدت في المعابد وهياكل الآلهة، ويعتقد روبرتسون سميث
Bog aan la aqoon
W. R. Smith
أن الأساطير القديمة كانت بمثابة الاعتقاد الديني؛ لأن التراث المقدس كان يتخذ شكلا قصصيا يدور حول الآلهة، ويقوم في الوقت نفسه بتفسير الأفكار الدينية وتوضيحها بشكل أبسط، بحيث كانت الأسطورة جزءا من بنية الدين وطقوس العبادة، لكنها لم تتخذ صفة الإلزام، فخضعت لحرية الإنسان؛ مما جعلها عرضة دائمة للتغير من قبل كافة القوى التي يمكنها الاستفادة منها، كذلك يذهب «مالينوفسكي» إلى أن الأسطورة كانت بمثابة الدستور الاعتقادي الذي يفسر الحاضر ويؤمن المستقبل، وأنها كانت ذات غايات عملية، تهدف إلى ترسيخ عادات اجتماعية، أو تدعيم سلطة عشيرة بذاتها، أو إقامة نظام اجتماعي بالذات ... إلخ.
ولا يجد المهتم جهدا كبيرا في التوصل إلى الرأي الأقرب للقبول العلمي بشأن الأسطورة ونشأتها، في أن ضعف قوى الإنتاج في المبتدأ المجتمعي، لم يساعد الإنسان على اكتشاف الأسباب الحقيقية لما يقع أمامه من ظواهر، وهنا تقدمت الأسطورة لتقوم بهذه المهمة الأولى للتفسير، وهو الدور نفسه الذي قام به الدين في سدله الأستار على التفسير الموضوعي للواقع، والتعويض عن عجز الإنسان عن الوصول لإجابات صادقة، مع تبرير مرارة الواقع، وتقبل هذا الواقع على أساس خلاص قادم، واستعجال هذا القادم بتقديم القرابين والقيام بطقوس معينة، وبذلك تمكنت الطبقة السائدة من توفير الدخل المناسب لمنظريها وكهانها - ممثلا في قرابين ونذور ... إلخ - من فائض عمل الأجراء أنفسهم، بعد القسمة الطبقية التي خلقت ثنائية انتهت لاعتبار الفكر هو الأصل الواقع، وأن هذا الفكر مستقل بذاته كناتج طبيعي لصعود طبقة لا تعمل. مما ابتعد بالفكر كلية عن الواقع الذي نشأ منه ليكون الدين، الذي قدم بدلا من التفسيرات القديمة لغة رمزية تحل مشاكل الوجدان في عالم تصوري هلامي، وللتذكرة فما زلنا نتحدث عن الأديان الابتدائية.
ولعل مبتدأ فكرة الثنائية وميلادها ليس أمرا مبكرا في تاريخ الفكر الإنساني، وربما تصور الإنسان في البداية أن ثمة كيانا مخالفا للمادة، يترك الجسد الحي مع الموت، وربما تصوره الدم أو نبض القلب أو هواء التنفس؛ لتوقف كل هذا بالموت (ومن النفس تأتي كلمة النفس)، وفي تلك الحقبة القديمة كان واضحا أن الإنسان قد تصور هذه النفس تموت بدورها، وتمثلها في اسم الشخص أو ظله، أو طيف يزور أحلامه، أو حيوان كان يألفه ويعاشره، ثم أخذ يقلص المادية في تصوره للنفس ويجردها، حتى انتهى لتصورها باقية يمكنها تجاوز حدود المكان والزمان وتقمص الأجساد، ثم اللاموت والأبدية، ثم ارتفع بها إلى عالم الألوهية، وقد اتفق العلماء تقريبا على تقريب مراحل الاعتقاد الرئيسية، بدءا من عبادة ظواهر الطبيعة، ثم عبادة الأجداد أو العكس في بعض المدارس، ثم عبادة أرواح نصف مادية، ثم عبادة آلهة متعددة، ثم إله قومي واحد، ثم إله عالمي. كما اتفقوا على أن ضعف الإنسان جسديا وعقليا تجاه الطبيعة وامتنانه لعطائها، كان الثغرة التي دخلت منها التصورات الدينية، مع نشوء علاقات اجتماعية تسلطية حولت الألوهية من الطبيعة إلى الإنسان، وكان فشل محاولات التمرد على الأوضاع الظالمة عاملا مهما في تثبيت الوعي عند الحالة التي كان فيها ليبقى الدين عبودية ذاتية للمضطهدين.
وإذا كان الدين الابتدائي بهذا المعنى انعكاسا لواقع انفصل عن واقعه، وعاد ليؤثر في الناس كقوى مجردة، وعكست فيه الأدوار بحيث تتحكم الروح بالجسد ويصبح المخلوق خالقا، فإن الأسطورة كانت بدورها انعكاسا للواقع بحسبان الأسطورة أصل الدين كما يرى الباحثون الثقات، لكن ما يهمنا هنا رصده وتأكيده كوجهة نظر خاصة، هو أن الأسطورة - لا شك - كانت تختلف عن الدين في مسألة جوهرية، سواء من حيث المنشأ أم الغرض، فهي بعكس الدين نشأت استجابة لحاجات مادية وموضوعية وطبيعية ملحة. مما يشير إلى أن بدايتها سابقة لطور تقسيم العمل ونشوء الطبقة، وإن استمرت زمنا تعايش هذا الطور لتنضج بعد ذلك في الرداء الديني، وكان الغرض منها ليس تسكين أوضاع، أو أن غير المرغوب سينهزم بمجرد تلاوتها كما في الدين، بل على العكس كانت تحفيزا للعمل وللطاقات البشرية، وشحذا للهمم لتغيير الواقع وصد أخطار الطبيعة (وهو ما يمكن للقارئ أن يجد تطبيقا له في كتابنا هذا)، وربما عاصرت كبرى الأساطير مثل «أسطورة أوزيريس» الطور الطبقي، لكن الواضح أن الأسطورة حينذاك لم تعد أسطورة إنما أصبحت محل اعتقاد، أصبحت دينا.
أما الأساطير الأولى التي سبقت تقسيم العمل في شكله الحاد والإلزامي، ولازمته في أطواره الأولى، فلم تكن صنعة طبقية، قدر ما كانت استجابة لضرورات موضوعية، وظهر الدين مع الطور الطبقي وتقسيم العمل والكون إلى عقل وجسد. ومع التفرغ اللازم من العمل اليدوي، تمكنت الطبقة المسيطرة من تنمية ثقافتها الدفاعية، واستثمار التراث الأسطوري السابق بعد تفريغه من محتواه الموضوعي، وتحويله إلى خدمة الأغراض الجديدة، واحتساب التراث الأسطوري جزءا لا يتجزأ من الثقافة الجديدة المتمثلة في الدين، وتحول الفكر الأسطوري الذي كان جزءا من فاعلية الإنسان في الطبيعة وجزءا من خلقه وتقدمه، إلى لبنات ضمن البنية الدينية، وأصبحت قوى الأسطورة الفاعلة - مع الوضع الطبقي - قوى مفارقة لا أرضية، مهمتها المحافظة على ذلك الوضع، والتحالف مع الناس بقدر خضوعهم لها؛ لأنها تمثل الطبقة السائدة.
وهو ما يفسر لنا لماذا كان الأبطال في أساطير حضاراتنا القديمة - وخاصة ذات الصبغة الشعبية - يقومون بأفعال خارقة وتحولات سحرية، ويحققون كافة الرغبات والأماني، ويهزمون الملوك والآلهة؟ مما يشير إلى افتلات لمكبوتات اللاوعي الشعبي، كما يفسر لنا لماذا كان الملوك في أساطير الديانات الرسمية أبناء آلهة أو آلهة؟ ولماذا لا بد أن تقترن طاعة أولي الأمر بطاعة الله؟
ولا بأس هنا من إطلالة سريعة على أهم المدارس التي تناولت الأساطير بالدراسة، وأطروحاتها لتفسيرها. وربما أشهر الباحثين هو
k. o. Muller
الذي احتسب الأسطورة أحاديث مصورة لأحداث تاريخية حقيقية واقعية، وتابعه في ذلك مع بعض الاختلافات الجزئية كل من جاكسون
Bog aan la aqoon
Jachson
وأولدنبرج
Oldenberg ، وهم إلى حد كبير يتبعون المنهج اليوهيمري القديم، الذي اعتبر الأسطورة قصة أبطال حقيقيين، قاموا بأعمال مجيدة؛ فخلدهم أخلافهم، وحولوهم من بشر إلى آلهة، وإن اشترط «موللر» وأتباعه وجوب امتلاك الباحث القدرة على التمييز في الأساطير بين الأسطورة الحقيقية والأسطورة التي قام الشعراء والفلاسفة بتحريف كلامها عن مواضعه، وقد رأى «ماكس موللر
Max Muller » أن الأسطورة صورة من صور الفكر تحددت بوساطة اللغة. أما أكثر المدارس أثرا فهي مدرسة «إ. ب. تايلور
E. B. Taylar » أحد أعلام مؤسسي المدرسة الأنثروبولوجية، التي هاجمت المدرسة اللغوية، وذهبت إلى منهج يجمع الأساطير المتشابهة في مجموعات للحصول على علم حقيقي للأساطير، مع مقارنة تلك المجموعات بعضها ببعض. لتتبع فعاليات عملية التخيل، التي تتكرر بتناسق مع قاعدة فكرية، وأن تبدأ الدراسة بالمجتمعات المتخلفة الحالية، مع رد الاعتبار كاملا للمادة الأسطورية نفسها؛ لأنها الأكثر جدارة بالبحث من اللغة التي تقولبت فيها. ومن أهم أتباع المذهب الأنثويولوجي «هربرت سبنسر
Herbert Spencer » صاحب فلسفة التطور الذي رأى أن الأساطير ليست سوى نصوص من عبادات الأسلاف.
وقد أدلت مدارس علم النفس أيضا بدلوها، واعتبرت بطل الأسطورة حالما يخضع لتحولات سحرية ويقوم بالخوارق، وكلها ليست سوى انعكاس لرغبات وأمان مكبوتة تنطلق بعيدا عن رقابة الوعي؛ لذلك تمتلئ بالرموز التي لو تمكنا من تفسيرها لزودتنا بفهم عميق لنفس الإنسان ورغباته، وأكد «إريك فروم
Erich Fromm » أن الأسطورة تشرح بلغة رمزية حشدا من الأفكار الدينية والفلسفية والأخلاقية، وما علينا إلا أن نفهم مفرداته، لينفتح لنا عالم مليء بالمعارف الثرية. كذلك تبع «يونغ» أستاذه «فرويد» في رأيه أن الأسطورة نتاج اللاشعور، لكنه اختلف عنه في قوله إنها نتاج لا شعور جمعي. عاشت في لا شعور الجماعة، وانتعشت من خلال الفرد.
وعلى الجملة، وحت لا يتحول أمرنا هنا إلى خطاب مدرسي، يمكن القول إن تعداد المدارس من «يوهيمر» حتى «مالينوفسكي» إلى «ليفي شتراوس» تقوم على مبادئ ثلاثة هي:
إن الأسطورة تصف حقائق تاريخية.
Bog aan la aqoon
إنها رموز لحقائق فلسفية دائمة.
إنها انعكاسات لعملية طبيعية مرة بعد أخرى بصيرورة لا تتوقف.
ثم إن هذه المدارس في مجملها تتبع واحدا من مناهج ستة هي:
المنهج اليوهيمري:
الذي يعد أقدم تلك المناهج، ويرى الأسطورة قصة لأمجاد أبطال أو فضلاء غابرين.
المنهج الطبيعي:
الذي يعد أبطال الأساطير ظواهر طبيعية تم تشخيصها في أسطورة اعتبرت بعد ذلك قصة لشخصيات مقدسة.
المنهج المجازي:
بمعنى أن الأسطورة قصة مجازية تخفي أعمق معاني الثقافة.
المنهج الرمزي:
Bog aan la aqoon
الذي يرى الأسطورة قصة رمزية تعبر عن فلسفة كاملة لعصرها؛ لذلك يجب دراسة العصور نفسها لفك رموز الأسطورة.
المنهج العقلي:
الذي يذهب إلى نشوء الأسطورة نتيجة سوء فهم أو خطأ ارتكبته مجموعة أفراد في تفسيرها أو قراءتها أو سردها لرواية أو حادثة أقدم.
منهج التحليل النفسي:
الذي يحتسب الأسطورة رموزا لرغبات غريزية وانفعالات نفسية.
ويبقى أن يسألنا القارئ عن منهجنا في ضوء خصوصية همومنا وخصوصية تاريخنا. إن المشكلة الحقيقية التي تواجهنا بعيدا عن خصوصيتنا، والتي تواجه أي باحث في الأساطير، هي أن علم الميثولوجيا حتى الآن لم يصل إلى مرحلة النضج التي تؤهل مدارسه المتنافرة المتعارضة للاندماج، هذا ناهيك عن كوننا نبدأ من طبيعة الداء والإشكالية، وليس لمجرد اللذة البحثية، حتى نتمكن من الوصول إلى أفضل دواء ممكن، ولا يمكننا أن نعطي الدواء نفسه لعلاج كل الأمراض. والمشكلات العلمية ناتجة إما عن مرض في الموضوع أو مرض في الباحث أو مرض في الطبيعة الإبستمية للموضوع، ويبدو أننا نجمع كل ذلك في إشكالياتنا مع تراثنا، ومن هنا لا بد من أن نضع نصب أعيننا وفي المقام الأول علاقة الأسطورة بالدين وبفلسفة الحياة عموما، وبأحوال الإنتاج وبنى المجتمع وتغيراته.
وعليه فإننا نقرر من البداية أننا سنعمد إلى المنهج الذي يؤدي إلى نتائج تبدو صحيحة، دون الرجوع للمدرسة، بمعنى أننا على استعداد للسير قسما من الطريق مع أي من هذه المدارس، لكننا لسنا على استعداد للسير مع أي منها الطريق كله.
وسنبدو معنيين في تراثنا بمشكلات وقضايا محددة، تتبعنا تطورها التاريخي، وأهميتها في مجتمعها وعصرها وبيئتها، مع إبراز موقعها في الصراع الفكري ومدى تعبيرها عن خصوصية عصرها وشعبها، مع ربطها ربطا لا يستفز أحدا بهموم الحاضر ومشاكل الآن؛ ومن ثم التزمنا الأكاديمية البحثية وصرامتها ودقتها، وأخذنا أنفسنا بالشدة في البحث والتنقيب والتقصي، مع الابتعاد عن صعوبة الاصطلاح وثقل المفاهيم، انطلاقا من همنا ومطامحنا العليا في التحرر الوطني والقومي والاجتماعي. وربما طمحنا إلى المساهمة مع أساتذتنا من الباحثين في فتح باب حان ولوجه، لدرس التراث القديم بمنهج علمي يمكنه أن يقدم للجماهير ولحركة التحرر العربية سلاحا فكريا في المعركة الفكرية الدائرة الآن.
وعليه فإننا نزعم في تلك المجموعة من البحوث التي تمت كتابتها متقطعة خلال عشر سنوات انصرمت، وتتفاوت في درجة إتقانها واقترابها أو بعدها من الأهداف المرصودة، أننا قد تمكنا من الوصول إلى كشوف لها من الخصوصية ما يجعلنا نغامر عندما نزعم أننا غير مسبوقين إليها، وإن كان ذلك لا ينفي أننا قد ارتكبنا خطأ هنا، وهفوة هناك، وزلة صغيرة أو كبيرة بينهما، لكن ما يعزينا أن مثل تلك السقطات والهنات تعود إلى اتساع رقعة المساحة المكانية والزمانية في السعي وراء الإشكاليات المختارة؛ لأنها فعلا من أشد الإشكاليات تعقيدا، وهو ما تنوء به قدرة باحث فرد، ومن هنا سنكون ممتنين لقارئ مهتم، يهتم بإعلامنا بموطن الزلل أينما وجده، حتى يمكننا أن نتلافاه، وأن نصلح من شأن ما يمكن تقديمه مستقبلا، ويكون لصاحب الإعلام فضل لن ننكره عليه.
قراءة سريعة في موضوع الإله النقيض
Bog aan la aqoon
(1) تأسيس
في كتابه «عجائب الآثار» يحكي المؤرخ «عبد الرحمن الجبرتي» أنه في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، حين وصلت الحملة الفرنسية إلى مصر، وبينما كان الشرق يعاني من غيبوبته الغيبية، التي كانت أشد فتكا بعقله من القهر العثماني المتسلط آنذاك، قامت مجموعة من العلماء الفرنسيين الذين رافقوا حملة «نابليون بونابرت»، بعرض بعض التجارب الكيميائية أمام نفر من علماء الأزهر، فذعر علماء المسلمين لما رأوا، ولم يجدوا تفسيرا لديهم سوى أن يرجعوا تلك التجارب إلى خدع الشيطان الرجيم وأفاعيله؟!
1
أما «علي مبارك» فيرسم للعقل الشرقي آنها صورة أشد قتامة، في عرضه لأحداث المعارضة الكبرى التي قادها علماء المسلمين ضد إدخال مطبعة عربية إلى مصر على يد الفرنسيين، بحسبان المطبعة اختراعا من بدع إبليس اللعين!
2
والعجيب أن الشيطان لم يزل حتى اليوم يصول ويجول في مساحة كبرى من العقل الشرقي، وليس ببعيد ما ذكره «فتحي غانم» عن حملة السلفيين المتزمتين ضد استخدام الهاتف والسيارة بحسبانهما اكتشافات تمت بإيعاز من إبليس لعنه الله، بل وتكفيرهم لكتاب القصة، ولأشكال التعبير الأدبي الجديدة، باعتبارها دسائس استعمارية، يقف الشيطان وحزبه من ورائها!
3
وهكذا تجاوز الشيطان إطاره الديني، وتغلغل في ذات الإنسان ليتحكم بكل حياته، ومن ثم أصبح سببا لكل ما لا نرضي عنه، وستارا يخفي الأسباب الحقيقية، ومشجبا للأخطاء على مستوى الفرد والجماعة والدولة، وتفسيرا سهلا لكل مجهول؛ مما أدى بالعقل الشرقي إلى غياب شبه كامل عن واقعه المتردي، بحيث تحول التغيير الاجتماعي المطلوب نحو الجانب الأخلاقي، بشن الحرب على الشيطان وأعوانه في المقام الأول، وليس تغييرا للواقع المأساوي الذي نعيشه، وأن مدى تمكن فكرة الشيطان من العقل الشرقي، تستدعي تساؤلات عن مناشئها الأولى، وبحثا عن العوامل التي أدت إلى اكتسابها تلك القدرات الخارقة، ومن ثم وضع الشيطان داخل إطاره وحجمه الحقيقيين.
4 (2) ما بين الفوضى والنظام
رغم أن الإنسان البدائي لم يكن فيلسوفا، إلا أنه شغل نفسه بمحاولة معرفة أمور هي الفلسفة بعينها، وكثيرا ما سأل نفسه: أيهما كان أولا؟ الموت أم الحياة؟ العدم أم الوجود؟ الضار أم النافع؟
Bog aan la aqoon
وهو بذلك إنما بلغ مرحلة متقدمة نسبيا على مدارج حداثيته، أدت به إلى تقسيم قوى الطبيعة إلى قوتين تعملان في اتجاهين متعاكسين، قوة إيجاب فيها النفع والحياة والوجود والضياء، ممثلة في عطاء الطبيعة وخصب الأرض وفيض النهر وتكاثر الحيوان النافع، وكان هذا هو الخير بالنسبة له، والقوة الأخرى قوة سلب فيها الضرر والموت والعدم والظلام، ممثلة في إمساك الطبيعة عن العطاء. وجفاف الأرض والنبات والنهر، وما يصحب ذلك من سكون وخمود من حوله؛ لذلك نجده يتجه بالعبادة ووسائل التقرب لمظاهر الطبيعة المختلفة، للظواهر الخيرة ليزداد خيرها، وللظواهر التي يرهب جانبها ويخشى بأسها وبطشها ليتحاشى شرها ونقمتها، ويقلل من ضررها.
وقد جاءت نقلته التطورية الأخرى، بعد مشاهدات، لعل أهمها: أنه لاحظ اختفاء أكثر مظاهر الحياة أمام ناظريه بحلول الظلام، وأنه لا يستطيع أن يأمن على نفسه من الضواري ليلا، فاستشعر أن الظلام تصحبه الفوضى وانعدام الأمان، فربط بين الظلام وبين العدم والموت والفوضى، وخاصة بعد تأكده أن غياب الشمس والضياء يعني بدء دورة جديدة للحياة؛ فربط الظلام بالشر، والضياء بالخير؛ لذا يلاحظ أن أغلب عبادات الشعوب القديمة شمسية، تمثل بالشمس إلهها الأكبر.
ومن هنا على ما يبدو، افترض أن الحالة الأولى للكون، كانت تسيطر عليها قوى الشر (الظلام، العدم، الموت، الفوضى)، وبعدها ظهرت في الوجود قوى الخير (الضياء، الوجود، النظام).
ومع تناوب فصول السنة، وما يستتبعه ذلك من موت وجفاف، وعودة للنمو والخصب بالتناوب، فقد افترض العقل البشري، وهو يرتقي درجة أخرى على سلمه التطوري، أن هناك صراعا قائما بين قوتي الخير والشر، فقام يشمر السواعد مساعدا قوى الخير، بزيادة الجهد المثمر في الأرض والتقرب إليها بأبكار ثماره وماشيته، مع طقوس وعبادات خاشعة، بينما اتجه نحو قوى الشر متزلفا بوسائل السحر، اتقاء لشرها، وإبعادا لغضبها. (3) إله الشر الأسطوري
وهذه المعاني نجدها غالبة على أساطير الشعوب الزراعية القديمة في الشرق الأوسط، ففي مصر القديمة - كانت مصر ولم تزل هبة النيل - نجد «أوزيريس
Osiris » إلها للنيل والخير والخضرة والنماء، بينما كان «ست
Seth » إله القفار والصحراء، وكان أيضا زعيم الأشرار ، يحاول دائما إحباط أعمال أخيه النافعة الخيرة.
5
كما نجد الأمر نفسه في حضارة الرافدين القديمة، فيترجم «د. أنيس فريحة» ملحمة
Enuma Elish - هناك ترجمات أخرى متعددة - التي تحكي أن «تيامة
Bog aan la aqoon
Tiamat » رمز القوى العمياء الشريرة في الوجود، كانت هي البحر الأول المظلم في الوجود - ولم يزل اسمها علما على السهل الحجازي تهامة - حتى جاء النور ممثلا في «مردوك
Marduk » رب الضياء، فدخل معها صراعا عنيفا انتهى بالقضاء عليها؛ ومن ثم فرغ لتنظيم السموات والأرض، بعد أن باركها لتكثر خيراتها.
6
والأمر نفسه نجده في كنعان (فلسطين والأردن وسوريا ولبنان)، إن الأصل كان غمرا مظلما مسيطرا هو «يم»، يفرض السكون والفوضى على الوجود، حتى ظهر الإله «بعل» فقضى على «يم» من أجل تثبيت النظام والخير في الأرض، لكن أتباع «يم» قاموا يحاربون البعل بقيادة الإله الشرير «موت»، من أجل أن يستعيد الموت والسكون سيادة الدنيا. فتصدى لهم البعل مرة أخرى، لكن ليدخل مع «موت» هذه المرة في صراع أبدي، ويتناوبان الهزيمة والنصر، فمرة ترجح كفة «بعل»، فيكسب الجولة، فتسود الدنيا الخيرات نماء وخصبا، ومرة ترجح كفة «موت» فيغشى الأرض سكون الموت وفوضى الجفاف.
7 ،
8
ولنا أن نرى في هذه الأسطورة خطوة ارتقائية أخرى للعقل البشري، سوغت له تفسير التناوب الفصلي لشهور السنة، وما يستتبعه من تأثيرات على الأرض إن خصبا أو جدبا، وما زالت اللغات السامية ومنها العربية، تستعمل اسم الإله «موت» للدلالة على حالة السكون أو الموت، كبقايا أثرية، أو حفريات لغوية - إن جاز التعبير - لتدلل على المراحل التطورية التي مرت بها العقلية البشرية ارتقائيا. (4) الشيطان الفارسي
يبدو أن العقل البشري لم يستسغ الاستمرار في الاعتقاد بأن أصل الوجود هو الشر والظلام، فأراد أن يعطي إله النور والخير أولوية الوجود، وفي الوقت نفسه يسوغ بطريقة ما وجود إله الشر، ونظن أول هذه المحاولات التي لبست ثوبا فلسفيا قد جاءت في عقيدة «كيرمرث» الفارسية، وإن كنا لا ننكر ما سبقها من محاولات خاصة في مصر الفرعونية، ويلخص لنا «د. علي النشار» عقيدة «كيرمرث» فيقول: «إن أول الموجودات كان إله النور والخير «هرمز» - لم يزل اسمه علما على مضيق الخليج العربي - ففكر في ذاته متسائلا: لو كان لي منازع كيف يكون؟ وبمجرد أن طرأت هذه الفكرة على خاطره، حتى وجد هذا المنازع فعلا، فظهر الظلام بعد أن كانت الدنيا دائمة الضياء، نتيجة مجيء إله الشر «أهرمان» إلى الوجود، فقام إله الخير «هرمز» بخلق كل الملائكة والبشر ليساعده ضد غريمه «أهرمان»، لكن «أهرمان» قام بخلق كل الكائنات الضارة، وأخذ يؤثر بأتباعه الأشرار على البشر لينضموا إليه، وهكذا بدأ الصراع بين إله الخير أو النور، وبين إله الشر أو الظلام.»
9
ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى اعتقاد قدماء الفرس في إله نور وخير قبل «هرمز» اشتهر باسم «ميثهرا» وهو إله زراعي؛ أي إله خصب ونماء وضياء
Bog aan la aqoon
10
ويؤكد الباحث «عصام ناصف» أنه كان يحتفل بعيد ميلاده في 25 كانون أول، أي بالضبط عندما تبدأ الشمس قوة دورتها الجديدة، فهو إله الضياء أو الشمس.
11
وقد عبد الهنود بدورهم هذا الإله، واعتقد عباده أنه يدخل سنويا في معركة مع آلهة الموت والظلام، وأنه كان يتعرض في هذه المعركة للأسر، ثم الاستشهاد موتا على الصليب، فيصيب الأرض الجفاف ويتوقف النسل، لكنه يقوم من الموت في الحادي والعشرين من شهر آزار، عند المنقلب الربيعي، فتعود بقيامته المجيدة الحياة للأرض خيرا ونماء، ويشير المرحوم «عباس العقاد» إلى طقوس من ديانة «ميثهرا»، نجد فيها شبها كبيرا بما في المسيحية، ولك أن تلاحظ أن احتفال المسيحية بعيد ميلاد إلهها الشهيد «يسوع المسيح» في 25 كانون أول وهو موعد ميلاد «ميثهرا» نفسه، وأن احتفالها بعيد قيامته المجيد يوم 20 آذار، هو بدوره نفس موعد قيامة «ميثهرا» المجيدة
12
ويقول «عصام ناصف»: «وقد اقتبست المسيحية بعض ما في المثروية، ومن ذلك مفتاح دار النعيم ومفتاح الجحيم، وتيجان الأساقفة وأحذيتهم الحمراء، ولقب بابا، وكان يلقب به كبير كهنة «ميثهرا»».
13
ومن الطريف أن أتباع «ميثهرا» اتهموا المسيحيين الأوائل باقتفاء أثرهم، واقتباس عقائدهم منهم، إلا أن الأطرف فعلا هو أن الآباء الأوائل ... عندما جابهوا هذه المشكلة، لم يخطر ببالهم سنة العقل البشري التطورية، وما تستتبعه جدلية التطور من تأثير العقائد في بعضها، فعللوا المسألة بأن الشيطان بدأ محاربة الإيمان المسيحي من قديم الزمان، فجعل ديانة «ميثهرا» تسبق المسيحية في الظهور، وتتصف في مجمل طقوسها، وفي الأحداث التي جرت لبطلها المعبود بما جاء فيما بعد في المسيحية. (5) المهدي المجوسي
ويؤخذ مما جاء في ملل الشهرستاني أنه عندما ظهر «زرادشت» في فارس مناديا أنه نبي مرسل من قبل إله الخير «هرمز» لهداية البشر، كانت المعتقدات المثروية القديمة راسخة في أذهان القوم. فما كان منه إلا أن أقرها - وهي العادة في مثل هذه الأحوال - وأعلن «زرادشت» أنه بعث ليبتعد بالبشر عن طريق الشرير «أهرمان»،
14
Bog aan la aqoon