وتكاثرت المياه ورفعت الفلك، فتغطت جميع الجبال الشامخة ... فمات كل ذي جسد ... وتعاظمت المياه على الأرض مائة وخمسين يوما، ثم ذكر الله نوحا ... وأجاز الله ريحا على الأرض، فهدأت المياه، وانسدت ينابيع الغمر وطاقات السماء ... واستقر الفلك في الشهر السابع ... على جبال أراراط ...
وحدث من بعد أربعين يوما أن نوح فتح طاقة الفلك ... وأرسل الغراب فخرج مترددا ... ثم أرسل الحمامة ... فلم تجد الحمامة مقرا لرجلها ... فلبث سبعة أيام وعاد فأرسل الحمامة من الفلك، فأتت إليه الحمامة عند المساء، وإذا بورقة زيتون خضراء في فمها، فعلم نوح أن المياه قد قلت عن الأرض، فلبث سبعة أيام أخر وأرسل الحمامة فلم تعد ترجع إليه ... فخرج نوح وبنوه وامرأته ونساء بنيه معه وكل الحيوانات، وبنى نوح مذبحا للرب، وأخذ من كل البهائم الطاهرة، ومن كل الطيور الطاهرة، وأصعد محرقات على المذبح، فتنسم الرب رائحة الرضا، وقال الرب في قلبه: لا أعود ألعن الأرض أيضا من أجل الإنسان.
وكلم الله نوحا وبنيه معه قائلا: «هذه علامة ميثاقي معكم ومع نسلكم من بعدكم وضعت قوسي في السحاب، فتكون علامة ميثاق بيني وبينكم وبين كل نفس حية، فلا تكون المياه طوفانا لتهلك كل ذي جسد ... وعاش نوح بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة، وكانت كل أيام نوح تسعمائة وخمسين سنة» (التكوين، 6: 9).
هذا ما جاء بالكتاب العبري المقدس حول قصة الطوفان، وربما أصبح واضحا أننا سنكرر القول: «وكان مظنونا أنها إبداع خاص بالمؤلف التوراتي»، والقول لازم عن المقدمات التي أسلفناها، والتي أصبحت معلومة بعد حل رموز اللوح الحادي عشر من ملحمة «جلجامش» البابلية؛ مما دفع الآثاري «كريمر» - بعد ذلك بربع قرن تقريبا - إلى الإعلان بثقة تامة وبلا وجل: «أن قصة الطوفان التي دونها كتاب التوراة العبرانيون لم تكن أصيلة، وإنما هي من المبتكرات السومرية التي اقتبسها البابليون، ووضعوها في صيغة الطوفان البابلي.»
33
وباستقراء الثلث الأسفل من لوح سومري ذي ستة حقول «نشره آرنوبويل عام 1914م»، يخبرنا أنه بعد فترة قصيرة من خلق العالم، اكتشفت الآلهة السومرية أن الإنسان لم يحقق الغاية من خلقه، وأنه أفسد في الأرض وسفك الدماء؛ لذلك قررت إفناء الحياة على الأرض وغسلها بماء الطوفان. هذا بينما يؤكد الباحث العراقي «فاضل عبد الواحد»: «أن الطوفان يعد من المظاهر الطبيعية المألوفة في وادي الرافدين، فمنذ قديم الأزمان حتى تاريخنا المعاصر، ما زالت مياه دجلة والفرات وروافدهما، تغمر مساحات واسعة كل عام تقريبا، خاصة في الجزء الجنوبي من القطر، وأن هذه الظاهرة الطبيعية المروعة، التي لم يستطع الإنسان في وادي الرافدين السيطرة عليها بوسائله المتوفرة آنذاك، كانت في نظر الفرد مثل غيرها من الظواهر الطبيعية الأخرى، سرا من الأسرار الإلهية، وسلاحا من أسلحتها؛ ولهذا فقد احتل الطوفان حيزا مهما في معتقدات سكان وادي الرافدين وتآليفهم، ولنا أن نفترض أن واحدا من تلك الفيضانات العظيمة في بلاد سومر، بقي صداه في ذاكرة الأجيال لشدة هوله، وبسبب ما لحق بالناس والبلاد من دمار، بحيث اتخذ منه المؤرخون القدامى نقطة لتأريخ الحوادث.»
34
ولعل ما يدعم فرضية الباحث العراقي بشدة، التنقيبات الآثارية التي كشفت الطبقات السفلى للمدن السومرية القديمة، التي أظهرت تحتها طبقة من الطمي يتراوح سمكها ما بين نصف المتر والثلاثة أمتار؛
35
مما يشير إلى حدوث الفيضان العظيم بما لا يقبل دحضا للبيان الأركيولوجي.
Bog aan la aqoon