164

Amiirrada Bayaan

أمراء البيان

[163_2]

وجمع المأمون بعض حكماء عصره على صنعة الصورة التي نسبت إليه، ودعيت الصورة المأمونية، صوروا فيها العالم بأفلاكه ونجومه وبره وبحره وعامره وغامره، ومساكن الأمم والمدن إلى غير ذلك؛ وقد وضع له علماء رسم الأرض، وكانوا سبعين رجلا، كتابا في الجغرافية أعان عمال الدولة التي تعرف إلى البلاد والأمم التي أظلتها الراية العباسية.

وسأل المأمون ملك الروم صلته بما لديه من كتب الفلاسفة، فبعث إليه منها بما حضره من كتب أفلاطون وأرسطو وأبقراط وجالينوس وإقليدس وبطليموس وغيرهم من الفلاسفة، فترجمت له وحض الناس على قراءتها، في العلوم، لما كانوا يرون من إحظائه لمنتحليها، وكانوا يخلوا بهم ويأنس بمناظرتهم، وكذلك كانت سيرته مع سائر العلماء والفقهاء والمحدثين والمتكلمين وأهل اللغة والأخبار والمعرفة بالشعر والنسب.

وازدان عصر المأمون بكثير من حملة الشريعة والأدب، وكان الشعراء والكتاب طبقة عالية كثيرة العدد والحصى، جيدة المنحى والأسلوب، تأثروا كلهم بالحضارة الجديدة حتى غدا الشعر الإسلامي ظاهر الاختلاف على الشعر الجاهلي، بعيدا عن وصف الأطلال والدمن والركاب، وطلب الثأر والمفاخرات، والجمهور يشارك الأدباء في فهم الشعر، ويقدر الخطب والرسائل قدرها، ولم يكن الشعراء في واد والأمة في آخر، بل كان الشاعر أو الكاتب إذا قرض شعرا أو حبر خطابا تتناقله الأيدي في الحال، وتتعاوره الرواة فيفشو في الأمصار، وهذا ما كان يزيد في طلاوة أدب الأديب، وشعر الشاعر، وخطبة الخطيب.

أعمال الكبير كبيرة، والمأمون العظيم بأعماله وأقواله كان خليفة المسلمين بكل ما في لفظ الخلافة من معنى شريف، يجمع مصالح الدين والدنيا؛ كان رحمه الله يفكر منذ عهد بعيد في خلق القرآن حتى اعتقد أن كل من لم يقل بقوله ضال،

Bogga 163